تشرين- هبا علي أحمد:
محزنٌ أن تستيقظ على فاجعةٍ وكارثة إنسانيّة، لتدرك أنك فقدت جاراً وعزيزاً وأخاً وصديقاً، قد لا تجتمع معهم بالدم، لكن تجتمع معهم في الوطن والعرق والانتماء والجغرافيا، وتجتمع معهم كذلك في الأفراح والأتراح، والأهمُّ من هذا تجتمع معهم في الإنسانيّة.
رغم المُصاب والألم لما حلّ بنا نتيجة الزلزال الذي ضرب سورية فجر اليوم بقوة بلغت 7.7 درجات متسبباً بسقوط مئات الضحايا وعدد كبير من الإصابات وانهيار وتصدع العشرات من الأبنية السكنية في العديد من المحافظات السورية، ولاسيما حلب واللاذقية وحماة ودمشق وطرطوس، رغم هذا المصاب لا بدّ من أن نسأل ونتساءل عن الإنسانية جمعاء، الإنسانية التي تحولت في عالم اليوم إلى أداة للاستثمار السياسي، وتحولت أيضاً إلى شمّاعة يندرج تحتها الكثير من الأكاذيب والألاعيب.
لا نبحث عن الاستثمار في مُصابنا، فلم نكن كذلك، ولن نكون، ونحن قادرون دائماً على لملمة جراحنا ومداواتها، لكن نجد أن المصاب ذاته يمتد إلى تركيا الجارة التي رفضت الجيرة على مدار 13 عاماً، لكنها لن تستطيع أن تنعتق من امتداد الجغرافيا وتوحّد الطبيعة، ونتساءل لماذا لا تتغلب الإنسانية على السياسة؟ أليس في إمكان الإنسانية أن تقود السياسة إلى مسارها الصحيح؟ الجغرافيا تنادي ليستمع لها العالم، والمناخ ينادي في اعتقادنا للتوحد، فقط من أجل التوحّد، وليس من أجل المؤتمرات والتقارير والتحذيرات.. نحن لا شك في أننا نستجيب وعلى أهبة الاستعداد، فلماذا لا يستجيب الآخرون.. أو هل يستجيبون؟
نعيد ونكرر، لسنا في وارد الاستثمار، ولن نكون، لكنها دعوةٌ حقيقية للتعاون في المُصاب، دعوةٌ حقيقية للإنسانية في العالم أجمع لتعزيز التعاون في المجالات الإنسانية، فعندما يحلّ غضب الطبيعة لا يوفر أحداً، ولا يُميز بين دولة وأخرى، ولا يخضع للمنطق السياسي أو المنطق البشري.
هي دعوةٌ للتعاضد والتكاتف، ودعوةٌ وفرصة لمتشدّقي الإنسانية لأن يطبقوا تلك الإنسانية فعلاً، بدلاً من الاستثمار فيها، ويمدوا يد العون.. ثم لماذا لا يكون ثمة مجلس دولي للاستجابة الإنسانية؟ ربما يكون أجدى وأنفع ألف مرة من مجالس ومنظمات دولية لم تحقق الغرض المطلوب منها.
لا نستجدي عطفاً أو نتسوّل مكرمة من أحد، لكن انطلاقاً من مصابنا كان لا بدّ من التفكير بنا جميعاً، أي عالم الإنسانيّة.. لنعمل لنا جميعاً ومعاً.. الكوارث الطبيعية شأنها شأن الحروب والصراعات بحاجة إلى تعاون وتعاضد وإبعاد السياسة عن الطريق.. ماذا جنينا من تسييس أمريكا والغرب لوباء كورونا؟ في الحقيقة جنينا المزيد من الضحايا فقط، وإن بقيت السياسة هي الحاكم للعلاقات، فجميعنا في هذا العالم، وفي أي بقعة منه بانتظار كوارث والمزيد من الضحايا.. صحيح أن الاتفاق الذي ننادي به لا يمنع وقوع الكارثة، ولن يمنع وقوع ضحايا، لكنه يخفف من المصاب قدر المستطاع.
هبا علي أحمد
325 المشاركات