بالرغم من مرور قرابة عقدين من الزمن، على الغزو الأمريكي للعراق، إلّا أن الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية هناك، وما خلّفته من خسائر فادحة في صفوف المدنيين، لا تزال حاضرة في ذاكرة العراقيين.
لقد غزت أمريكا العراق بذرائع واهية، بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل، التي أثبتت التقارير الدولية والأمم المتحدة عدم وجودها، لكن الهدف الأمريكي كان دخول العراق واحتلاله وتدميره. كما استخدمت واشنطن في حربها أسلحة محرمة دولياً، وتسببت بأضرار كثيرة للشعب العراقي في الجوانب الاقتصادية والثقافية والسياسية، فضلاً عن الأضرار النفسية، ولم تترك للشعب العراقي إلّا الويلات والدمار.
ليس هذا فحسب، بل استخدمت القوات الأمريكية العديد من الأساليب لتحطيم نفسية العراقيين، ومنها الاعتقالات وزجّ الناس في السجون، ومن أشهر تلك الأساليب ما حدث في سجني “أبو غريب” في ضواحي بغداد، و”بوكا” في محافظة البصرة من عمليات تعذيب بحق السجناء، ولعلّ الصور، التي نشرها جنود أمريكيون عام 2004 على الإنترنت في سجن “أبو غريب” سيئ السمعة، وتُظهر الجنود وهم يسيئون معاملة المعتقلين العراقيين بما في ذلك إظهار المعتقلين عراةً وبعضهم مكدساً فوق بعض، خير دليل على هذه الجرائم .
لقد برهنت الولايات المتحدة مرة أخرى على أنها لا تهتم بحقوق الإنسان، كما تدّعي، وهي أكثر من ينتهك القوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتبقى فوق القوانين وبعيدة عن المسؤولية .
جرائم القوات الأمريكية في العراق، ستبقى ماثلة في أذهان الجميع ولا تسقط بالتقادم، وهذه مسؤولية أخلاقية وقانونية بعهدة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث سيكون من الصحيح أن يطرح الموضوع مجدداً حول هذا الكذب الشنيع الذي أدى إلى كارثة فظيعة بشكل واضح بالقريب العاجل في الأمم المتحدة، حيث بدأ تطور هذه الأحداث منذ 20 عاماً. لقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في الـ5 من شباط 2003 خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي عندما زعم امتلاك العراق تكنولوجيا إنتاج الأسلحة البيولوجية، وأظهر أنبوب اختبار بمسحوق أبيض لتبرير الغزو الأمريكي قبل أن يقرَّ في وقت لاحق بأنه أظهر أنبوب اختبار مزيفاً لإقناع العالم بصحة ما أقدم عليه.
هكذا تم ترويج امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل يُحرم امتلاكها إلّا للمحتل الأمريكي والصهيوني، وهكذا يحكم النظام العالمي بقوانينه الدولية، ويرتكب الجرائم وهو مطمئن بأنه سيبقى بعيداً عن المساءلة!
لقد جاء اعتراف كولن باول متأخراً، بعد كل هذه الضحايا وبعد تدمير العراق، والغريب أن هذا الاعتراف لم يحرك أياً من المنظمات أو الهيئات التي تصدع رؤوسنا بالحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية، كأن الأمر ينتهي عند هذا الاعتراف، في حين ينبغي العمل على وجوب بقاء هذه الجريمة في ذاكرة البشرية والعمل لمنع محو الحقيقة عن تلك الأحداث وعدم السماح لأولئك، الذين اتخذوا هذه القرارات ووضعوا الخطط، بالهروب من محكمة التاريخ وأسماؤهم معروفة .
إن الكذب المتعمد أدى إلى تدمير دولة مستقلة وآثارها التاريخية القديمة، وتسبّب في اندلاع أصعب أزمة إنسانية في المنطقة. وهنا لابدّ من تذكير العالم كله ومنظمة الأمم المتحدة بضرورة التحقيق في جرائم واشنطن ضد البشرية، ويجب معاقبة السياسيين الذين اتخذوا القرارات وهم المسؤولون عن الملايين من الضحايا واللاجئين والمصائر المحطمة والدول المدمرة. اليوم وفي ذكرى الكذب الأمريكي، يمكن الإشارة أيضاً إلى الجرائم التي ترتكبها القوات الأمريكية في سورية وهي جرائم لا تقلّ بشاعة وضرراً عن الجرائم المرتكبة في العراق وأفعانستان، إضافة إلى الحصار الجائر وسرقة خيرات الشعب السوري، فهل ينفع تذكير الأمم المتحدة وأمينها العام ومبعوثه إلى سورية بهذا كله؟
شوكت ابو فخر
40 المشاركات