ملف «تشرين».. «الإرهاب الصحّي».. والأجندة العميقة لاستهداف سورية أميركياً.. من يكفل حق الشعب السوري في الحياة عندما تتسلط عليه قوة استعمارية كالولايات المتحدة الأميركية؟
تشرين- مها سلطان:
– في أي تعريف أممي أو دولي، نجد نصاً أو بنداً لحرمان الشعب السوري «أو أي شعب» في العالم من حق الحصول على الدواء والعلاج، يدخل ضمن محاربة الإرهاب؟
– في أي تعريف أممي أو دولي، نجد أن استهداف المشافي السورية بالحصار والعقوبات يدخل ضمن محاربة الارهاب؟
ألا يمثل هذا الأمر أعلى مستويات انتهاك الإنسانية.. فكيف إذا كان الاستهداف يشمل أيضاً مشافي الأطفال؟
– في أي تعريف أممي أو دولي، نجد أن سرقة النفط السوري «أو نفط أي دولة أخرى» يدخل ضمن محاربة الإرهاب؟
ألا يوجد أحد يُسائل الولايات المتحدة الأميركية كيف تستقيم معها معادلة محاربة الإرهاب مع امتهان السرقة والنهب لثروات الشعب السوري، ومع حصاره اقتصادياً.. وأخيراً حصاره صحياً؟
هل لكونها قوة عظمى يعفيها من المساءلة والمحاسبة، أو يشرعن سرقتها وانتهاكاتها الإنسانية في سورية، فلا تدخل ضمن الجرائم الدولية أو الجرائم ضد الإنسانية وهي التي تستهدف شعباً بأكمله وتهدده بالعوز والفاقة وصولاً إلى «تمويته» جوعاً ومرضاً؟
بالأمس، أعربت الصين عن ذهولها لـ«فظاعة النهب الذي تمارسه الولايات المتحدة في سورية بشكل علني ومفضوح»، معتبرة على لسان المتحدث باسم خارجيتها وانغ وينبين أن «أعمال اللصوصية هذه تؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة والكارثة الإنسانية في سورية، مؤكدة أن «حق الشعب السوري في الحياة يُداس عليه بلا رحمة من الولايات المتحدة».
«حق الشعب السوري في الحياة».. هذه هي النقطة الأساس التي تدور حولها جميع الأسئلة، من دون أن تلقى إجابة أو استجابة.. ألا يُفترض أن هذا الحق تصونه الأمم المتحدة وقوانينها الدولية، أم إن الوضع هو «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم» عندما تكون الولايات المتحدة هي من يرتكب جريمة سلب الشعب السوري حقه في الحياة؟
إذاً.. من يكفل حق الشعب السوري «وحق الشعوب» في الحياة عندما تتسلط عليه قوة استعمارية عظمى كالولايات المتحدة الأميركية؟
محاربة الإرهاب تحولت إلى «مسمار جحا» أميركي منذ أقرت الأمم المتحدة أول تعريف رسمي له بعد هجمات 11 أيلول 2001
قبل الإجابة لنعرض كيف تميّعت التعريفات الأممية للإرهاب، وكيف تحولت عملية محاربة الإرهاب إلى «مسمار جحا» أميركي منذ أقرت الأمم المتحدة أول تعريف رسمي لمحاربة الإرهاب بعد هجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة، ضمن قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي التابع لها، تحت رقم 1373 والذي اعتبر أن الإرهاب هو كل فعل يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
ثم.. وفي عام 2006 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة استراتيجية لمحاربة الإرهاب تقوم على أربع ركائز:
1- التصدي للظروف التي يمكن أن تؤدي إلى انتشار الإرهاب.
2- اتخاذ تدابير لمنع الإرهاب ومكافحته.
3- اتخاذ خطوات عملية لبناء قدرة الدول على تنفيذ ذلك.
4- اتخاذ التدابير اللازمة لضمان احترام حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب.
ولأن تعريف الإرهاب، كما استراتيجية مكافحته جاءت مفرطة في العمومية، كانت هناك محاولات عدة لإعادة تعريفه، ووضع تعريفات أكثر تحديداً، لكن جميعها فشلت.. وأكثر من ذلك زادت الطين بلة، إذ ساهمت في نشر الإرهاب بدلاً من محاربته، والأخطر أنها تركت للولايات المتحدة مسألة قيادة حرب عالمية على الإرهاب، وهي الأصل والفصل في الإرهاب، صناعة وتوظيفاً.
في كل الأحوال ما يهمنا من استراتيجية مكافحة الإرهاب هو ركيزتها الرابعة التي تتحدث عن ضمان حقوق الإنسان، وإذا ما أردنا الدقة فإن عملية محاربة الإرهاب هي في أساسها، وفي مبتداها ومنتهاها، تستهدف حماية الإنسان وضمان حقوقه، وبما لا حاجة معه ليكون هذا الأمر موجوداً في تعريف الإرهاب أو في استراتيجية محاربته.. ومع ذلك لنفترض أن هناك حاجة لذلك، فليس في تعريف الإرهاب واستراتيجية محاربته أي بند يقول بسرقة حقوق الإنسان، خصوصاً حقه في خيرات أرضه واستثمارها والاستفادة منها بما يضمن حياة كريمة له.. وليس فيها أي بند يقول بحرمان الإنسان من الدواء والطبابة، فما الذي حدث لتتحول عملية محاربة الإرهاب إلى عملية سفك دماء.. وسلب ونهب؟
لا أحد يُسائل أميركا كيف تستقيم عملية محاربة الإرهاب مع امتهان السرقة والنهب لثروات الشعب السوري وحصاره اقتصادياً وصحياً؟
هناك مسألتان أساسيتان تغيبان عن كل تعريف أممي للإرهاب هما: أولاً الإلزام، وثانياً عدم تحديد جهة بعينها موثوقة ومسؤولة تقرر ما إذا كان فعل ما إرهابياً أم غير إرهابي، وما إذا كان تنظيم ما «أو جماعة أو فئة أو تجمّع أو مؤسسة أو منظمة…الخ» إرهابياً أم غير إرهابي؟
هذا الغياب قاد إلى مسألتين:
1- استحالة القدرة على المساءلة وتالياً المحاسبة.
2- الانتقائية، بمعنى ازدواجية التعريف والتوصيف والتحديد.. والمثال الأوضح الولايات المتحدة الأميركية التي تفرض على العالم معيارها الانتقائي في تعريف الإرهاب والتعامل معه، أي محاربته.. فإذا كان فعل ما أو حدث ما موجهاً ضد مصالحها يعدّ إرهاباً، وإذا كان يخدم مصالحها فهو دفاع عن النفس ومشروع.. الأمر نفسه ينطبق على الدول «والمؤسسات والمنظمات وحتى الأفراد» فإذا كانت تابعة مطيعة للأجندة الأميركية بلا جدال ولا نقاش وتضع نفسها في خدمة هذه الأجندة كانت دولاً صالحة، وإذا كانت مقاومة، حرة ومستقلة، تواجه وترد وتنتصر، فهي دول تدعم الإرهاب وتنشره، ولابدّ من محاربتها، وبالأسلوب الذي تريده الولايات المتحدة.
.. وهكذا مُيّعت التعريفات الأممية للإرهاب حتى سقطت تحت وطأة التعريف الأميركي الانتقائي، خصوصاً بعد حصول الولايات المتحدة على دعم أممي دولي مطلق، في أعقاب هجمات 11 أيلول لإطلاق ما سمته حرباً عالمية لمحاربة الإرهاب، لكنها بدلاً من محاربته استخدمته ووظفته عالمياً لخدمة أجنداتها الاستعمارية، وحتى تنجح في ذلك أسقطت من الاستراتيجية الأممية لمكافحة الإرهاب ركنيها الأساسيين: احترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون.
الولايات المتحدة ما زالت تفرض على العالم معيارها الانتقائي في تعريف الإرهاب وفي محاربته
بعد حربين شنتهما الولايات المتحدة، في أعقاب هجمات 11 أيلول، على أفغانستان ثم العراق، عادت الولايات المتحدة إلى استخدام التنظيمات الإرهابية، لتزيد عددها ولتوسع مساحة عملها جغرافياً، مستهدفة منطقتنا بالدرجة الأولى، وكانت سورية هدفاً رئيساً مباشراً بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.
على مدى عقد تقريباً، أخفقت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها العدوانية ضد سورية، بما في ذلك الأعوام الأولى مما يسمى «الربيع العربي»، وذلك حتى عام 2014 عندما استدعت تنظيم «داعش» بكامل إرهابه، وبحجة محاربته أمنت موطئ قدم عسكرية في سورية، لتحتل مناطق في الشمال والشمال الشرقي، حيث تتركز الثروة النفطية والغازية وحيث المحاصيل الزراعية الاستراتيجية وعلى رأسها القمح.. ولتبدأ عملية سرقة ممنهجة لخيرات السوريين وثرواتهم.. بالتوازي مع استهدافهم بالعقوبات الاقتصادية الجائرة.. وأخيراً استهداف مشافيهم ومنع الدواء والعلاج عنهم.
الآن.. لنعد إلى سؤال: من يكفل حق الشعب السوري «وحق الشعوب» في الحياة عندما تتسلط عليه قوة استعمارية عظمى كالولايات المتحدة الأميركية؟
الأمم المتحدة؟ لا يبدو أنها في وارد ذلك، مادامت الولايات المتحدة تفرض علينا عالماً محكوماً بمصالحها وأطماعها وليس بالقيم والأخلاق وتكريم الحياة الإنسانية، وبالتالي لا مكان للكيل إلّا بمكيال الولايات المتحدة.
أميركا أسقطت من عملية محاربة الإرهاب ركنيها الأساسيين: سيادة القانون واحترام حقوق الانسان
المحاكم الدولية؟ أيضاً ليست في وارد ذلك، مادامت الولايات المتحدة تفرض إرادتها بالقوة والإرهاب، ولأن الحال كذلك فإن الدول التي تقع تحت سطوة الجرائم الأميركية، لا ترى جدوى في التوجه إلى هذه المحاكم.
إذاً، ما العمل؟
العمل هو عملنا.. عمل الواقعين تحت سطوة القوة والإرهاب الأميركي، دولاً وشعوباً.. عمل بثلاثة اتجاهات :
1- المواجهة والمقاومة، جيشاً وشعباً، وهو ما تفعله سورية، وسيكون النصر حليفها طال الوقت أم قصر، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منعه، لذلك تراها تصعّد ضغوطها وتشدد الخناق على سورية، دولة وشعباً، لدرجة أنه لم يبقَ إلّا أن تحاصر الهواء الذي يتنفسه السوريون، ولو كانت قادرة على ذلك لفعلت.
2- الحلفاء المُعلنون والمُحتملون لدى سورية حلفاء مُوثوقون ومُهمون على الساحة الدولية، وحلفاء محتملون، أفرزهم أو سيفرزهم منطق القوة والإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد الجميع، أو ما يُطلق عليه القوى الصاعدة التي تسعى لإسقاط عالم الهيمنة الأميركية، وإنتاج عالم متعدد الأقطاب، قوامه الإنسانية والعدالة والحقوق المتساوية.
3- العمل أيضاً على أن نحفظ ونوثق جرائم الولايات المتحدة، للحقيقة والتاريخ، وللأجيال القادمة حتى لا تقع تحت سطوة أي قوة استعمارية.. نوثقها حتى تبقى دروساً وعِبراً لنا وللأجيال القادمة، نتعلم منها كيف نحفظ بلدنا وحريته ووحدته، وكيف نبني دولة قوية حصينة يَهابها كل معتدٍ.
أقرأ أيضا: