في سورية.. الولايات المتحدة تقتل وتسرق وتزوّر
تشرين- د. عماد خالد الحطبة:
في سياق ردها على تجديد الإدارة الأميركية عقوباتها على القطاع الصحي في سورية، قالت وزارة الخارجية والمغتربين: إنّ «سورية تستنكر الاستهداف الأميركي لقطاع الصحة مجدداً، وذلك من خلال فرض قيود إضافية على السماح ببيع التجهيزات «الطبية» أو تقديم الخدمات أو الدعم أو قطع الغيار إلى عدد كبير من المستشفيات السورية العامة والخاصة».
أعادني هذا الخبر إلى جهد بذلته نقابتا الأطباء في الأردن وسورية لتوثيق الجرائم التي قامت بها العصابات المسلحة ضد المنشآت الطبية في سورية، فاعتمد العمل على تسجيل الصور والأفلام التي بثتها العصابات المسلحة عن تدمير المنشآت الصحية مثل مشفى القصير الوطني، ومشفى الكندي في حلب، وشركة «تاميكو» للصناعات الدوائية، وصور عن اقتحام مشفى جسر الشغور وغيرها الكثير.
ورغم صعوبة الحصول على المعلومات من شبكة الإنترنت إلا أن الصور التي يمكن أن تجدها صادمة، خاصة إذا ما قرنتها بالعقوبات الغربية التي تطول القطاع الصحي في سورية، عصابات تدربت على أيدي خبراء أميركيين أو من دول حليفة للولايات المتحدة، تتسلل إلى المشافي وتقوم بتفجيرها واغتيال من فيها.. لا يخجل هؤلاء اليوم مما فعلوه، ويجددون العقوبات على القطاع الصحي الذي يُعد تدميره جرائم ضد الإنسانية حسب قوانينهم الدولية.
لا يخجلون من الحصار الذي فُرض على سورية ومنعها من الحصول على الإمكانيات الضرورية لمواجهة وباء «كورونا»، ومحاولة حرمانها حتى من الطعوم، بدلاً من فتح المجال أمام الدولة السورية لاستعادة عافية القطاع الصحي، يجددون العقوبات على القطاع الطبي حتى على مشافي الأطفال وفي مقدمتها مشفى الأطفال الجامعي، كل هذا يتم تحت شعارات الحرية والديمقراطية والإنسانية، مع استحالة فهم البعد الإنساني لحصار يُفرض على مشفى للأطفال!
في رواية «1984».. «للأديب البريطاني جورج أورويل» الحقيقة تعني الكذب، وهناك وزارة لصياغة الحقيقة، تُعاد فيها صياغة الأحداث بما يُناسب منطق القوة، في الحرب على سورية، وزارة الحقيقة اسمها الأمم المتحدة، فهناك ومن خلال ما يسمى «المنظمات الإنسانية» تعيد تعريف جرائم الولايات المتحدة وحلفائها، لتتحول إلى فعل إنساني.
وتزامن تجديد العقوبات الأميركية مع صدور تقارير تشير إلى أن الخارجية الأميركية دفعت ملايين الدولارات إلى وسائل إعلام مختلفة لتشويه صورة الدولة السورية، فكأن «المريب يكاد يقول لصاحبه خذني».. وسائل الإعلام ومنصات الوسائل الاجتماعي الخاصة التي نقلت وجهة نظر أعداء سورية حصراً، ما زالت لا تفسح المجال أمام الرواية الحقيقية لما حدث، ومثلها وسائل الإعلام التابعة لدول العدوان مثل «الجزيرة» و«العربية» و«الحدث» تستمر في نفث سمومها تجاه سورية، لأنهم مجرمون لن يغيرهم افتضاح أمرهم، بل يقومون بتجاوزه، وتصويره على أنه دليل على شفافيتهم ويستمرون في جرائمهم من دون أن يرف لهم جفن.
لا أعتقد أن عربياً يَستغرب موقف وسائل الإعلام المأجورة من سورية، فهذا ما قامت وتقوم به في فلسطين واليمن وليبيا، لكن ما يثير الاستغراب أن يصدق عربي هذه الأكاذيب، وأن يبني سياسي أو مثقف مواقفه عليها، هل يذكر هؤلاء محمد الدرة، وشيرين أبو عاقلة وآلاف الأطفال الفلسطينيين الذين تسميهم وكالات عالمية مثل «رويترز» بـ«الإرهابيين»؟ هل يتذكرون تقارير منظمات دولية مثل منظمة العفو الدولية عن الجرائم التي ارتكبتها «إسرائيل» خلال حروبها على غزة، وكيف ساوت بين القاتل والضحية؟ هل تذكرون مجزرة مخيم جنين؟ لم نكن بحاجة إلى تسريب تقرير لنعرف الدور المشبوه والمأجور لإعلام «ناتو»، أما الأسئلة فهي لأولئك الذين يهرعون إلى هذه الشبكات المشبوهة قبل اتخاذ موقف مما يدور حولهم.
كل هذا ومعاناة الإنسان السوري اليومية تتفاقم، ليس بسبب العقوبات وحدها، لكن بسبب النهب المنظم لثروات سورية وخاصة النفط، وقد حاولت البحث عن مقال واحد في صحيفة عالمية مهمة مثل «التايمز» أو «واشنطن بوست» أو «نيويورك تايمز»، يتساءل عن العلاقة بين الحرب المزعومة على الإرهاب في سورية، وسرقة النفط السوري من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فلم أجد.
ما المعيار الإنساني الذي تعتمده المنظمات الدولية «الإنسانية» لتبرير حرمان السوريين من الدفء والكهرباء ورفع أجور النقل وتكلفة الصناعة؟ كيف تساعد معاناة الأطفال السوريين الخاضعين للعقوبات الطبية، والمحرومين من الدفء والعلاج في محاربة الإرهاب؟
وتستمر الحرب على سورية، ويستمر المدنيون والعسكريون السوريون في تقديم التضحيات، والنصر حليف سورية وحلفائها طال الزمن أو قصر، نكتب لنذكر أنفسنا بأن هذا العالم بلا قلب ولا قانون، وأن أكذوبة القانون الدولي ليست سوى سلاح في يد العدو يسلطه على رقابنا، ويتحكم بوساطته بأقدارنا، قانوننا نصنعه في ساحات المواجهة مع العدو على كل الجبهات، وقدرنا نصنعه بالعمل على تجاوز العقوبات وصناعة احتياجاتنا بأيدينا.
القول سهل، لكن الفعل يحتاج إلى الكثير من الجهد والتضحيات، لكننا لا نملك خياراً سوى الدفاع عن حريتنا، فالعبودية ليست خياراً، بل أن ندافع عن استقلالنا، الاستعمار والتبعية ليسا خياراً، من لديه شك فلينظر إلى أحوال الدول التي ضحّت باستقلالها وقبلت التبعية والعبودية، الأزمات الاقتصادية تجتاحها، وعملاتها تفقد قيمتها يومياً، والتعليم والصحة فيها صارا بعيدين عن متناول أغلبية المواطنين.
بالفعل الصعب، ندافع عن أنفسنا، عن مستقبل أولادنا حتى لا يكونوا عبيداً أو متسولين في بلاد الآخرين.. بالفعل الصعب نوثق جرائمهم ونحفظها ليوم يضطر فيه كل طرف لتقديم «كشف حساب» أمام البشرية جمعاء.
• كاتب من الأردن
أقرأ أيضا: