مغامرتا «اليمين» البرازيلي.. صفر مكاسب
تشرين- عبد المنعم علي عيسى:
في غضون أسبوع واحد خاض «اليمين» البرازيلي مغامرتين لزعزعة عهد الرئيس لولا داسيلفا الذي بدأ في اليوم الأول من هذا العام الجديد، وهما من حيث النتيجة لم تؤديا سوى إلى تكريس زعامة هذا الأخير، الذي بدا من خلالهما شخصية هادئة ولا ينقصها الحزم ولا صوابية الرؤية التي استطاع من خلالها تحويل تينك المغامرتين إلى «رصيد في حسابه» الوطني.
كانت المغامرة الأولى قد تمثلت في يوم التنصيب الذي تغيب عنه الرئيس المهزوم بالانتخابات الأخيرة، في الوقت الذي كان من المفترض فيه أن يقوم الأخير بمراسم تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفقاً للبروتوكول البرازيلي، فكان رد داسيلفا باستلام الوشاح الرئاسي من عاملة نظافة برازيلية كان إلى جنبها ممثلون عن قطاعات شعبية مختلفة، وتلك سابقة في السياسة البرازيلية، إن لم يكن العالمية، أصاب من خلالها الرئيس اليساري الكثير من النقاط التي بدا أنه حريص على أن تمتلئ جعبه بها، أما الثانية، أي المغامرة الثانية، فقد كانت يوم 8 كانون الثاني الجاري عندما قرر أنصار بولسنارو، المقيم في الولايات المتحدة، إطلاق «غزوة برازيليا»، التي طالت القصر الرئاسي ومقري الكونغرس والمحكمة العليا، في محاولة لزعزعة الاستقرار بدرجة تفوق سابقتها بما لا يقاس، فقد مضى المتظاهرون، الذين بدوا أشبه بأسلاف دونالد ترامب في اقتحام مبنى «الكابيتول» الأمريكي يوم 6 كانون الثاني من عام 2021، في تحطيم مقتنيات تلك المقرات في محاولة لوسم العهد الجديد بعدم القدرة على فرض الهيبة والاستقرار، الأمر الذي ستتهيبه بالتأكيد قوى المجتمع الاقتصادية والسياسية، فيكون ميلها عندئذ نحو مغادرة مواقفها التي شكلت أحد أطراف المعادلة التي أوصلت لولا داسيلفا للحكم.
بدا داسيلفا من خلال ترويه في الرد على «غزوة برازيليا» أنه مدرك جيداً لحساسية المعادلة التي أوصلته إلى سدة الحكم، والتي كانت أرقامها تشير إلى تأييد 51% من الناخبين، أي بفارق ضئيل عن النسبة التي حظي بها منافسه المهزوم، ومدرك أيضاً لحقيقة أن بولسنارو يحظى بدعم الولايات المتحدة التي ستعمل من دون شك على قلب المعادلات، الفعل الذي إن حدث فسيؤدي إلى انقلاب في كامل المشهد، لذا فهو فضّل اللجوء إلى الهدوء الذي لا يخلو من الحزم، وفضّل أيضاً عدم اللجوء إلى توجيه ضربة موجعة لهؤلاء على الرغم من أن اللحظة كانت مناسبة للقيام بفعل من هذا النوع انطلاقاً من أن القيام بخطوة من هذا النوع قد تكون لها محاذيرها التي لا يستبعد منها دخول البلاد في أزمة سياسية من الصعب التنبؤ بالمآلات التي قد تفضي إليها.
كان الشعار الذي طرحه لولا داسيلفا عشية إعلانه خوض الانتخابات الأخيرة هو أن تكون المصلحة العليا للشعب البرازيلي هي الفيصل في تحديد تحالفاته وسياساته الداخلية والخارجية على حدٍ سواء، ما وضعه أمام كل هذه التحديات التي لم تمهله طويلاً حتى قبيل أن يلتقط أنفاسه، أما نجاحه في القفز فوق حقل الألغام فهو سيزيد من حجم تلك التحديات التي سيكون على مواعيد معها وبزمن يبدو أنه لن يكون متباعداً، لكن المشهد السياسي، الذي أفرزته محطتا 1 و 8 كانون الثاني الجاري، يرسم لوحة داخلية هي أشبه بفرصة كبرى يمكن للرئيس البرازيلي الاستثمار فيها عبر توسعة تحالفاته في الكونغرس ومدّ الجسور مع الشرائح «الرمادية» التي غالباً ما تتأخر مواقفها إلى حين تكشف معسكر الرابحين والخاسرين لتعرف مع من ستقف، وهذا من شأنه أن يظهر هذا الأخير كزعامة وطنية ذات قدرة استقطابية كبرى وهي قادرة على ربط معظم القطاعات الشعبية والاقتصادية والسياسية بمحورها الذي أضحى صنو الوطنية.
أمر آخر متاح سيمضي إليه لولا داسيلفا بالتأكيد، ويتمثل في محاولة إحياء الروابط التي تصل بلاده مع باقي نظيراتها في القارة، الأمر الذي ستكون له تداعياته الإيجابية على الداخل البرازيلي، لكن التحدي الأكبر سيظل متمثلاً في استعادة اللحمة الوطنية التي تضررت بالتأكيد عبر «غزوتي» اليمين الذي لمّا يزل داخل الحسابات.