مَنْ يحارب مَنْ في الشمال السوري؟
تشرين- د. عماد خالد الحطبة:
سؤال أصبح ملحّاً بعد اللقاء بين وزيري دفاع سورية وتركيا برعاية روسية، وتأكيد الوزير التركي على استعداد بلاده لزيادة عدد الدوريات المشتركة الروسية- التركية في الشمال السوري وعلى طريق M4 بالذات.
هذا الطريق الذي كان عنواناً لتفاهمات فرضتها آخر معركة خاضها الجيش العربي السوري في الشمال، واستطاع من خلالها تحرير طريق حلب الدولي وعدد من المدن والبلدات في المنطقة. مَنْ يحارب مَنْ في الشمال السوري؟
على الأرض يوجد تنظيم «د*ا*ع*ش» الإر*ها*بي وميليشيات «ق*س*د» المدعومة أميركياً، وفصائل جبهة النصرة ومثيلاتها المدعومة من تركيا.
أميركا وتركيا حلفاء لكن الفصائل المدعومة منهما في حالة حرب ضروس. صورة معقدة يزيدها الدخول السوري تعقيداً، فسورية تعدّ تركيا وأميركا دولتي احتلال، وتصنف جميع التنظيمات آنفة الذكر على أنها تنظيمات إر*ها*بية.
إذا عملنا على تكبير الصورة وأخذنا كل مكون على حدة، سنجد أن تركيا مستعدة للتضحية بالتنظيمات الموالية لها في إدلب وشمال حلب وذلك في سبيل تحقيق هدفين؛ التخلص من التهديد الوجودي في المثلث الكردي، فمن بين الدول الثلاث (سورية، العراق، تركيا) تنفرد تركيا بالعدد الأكبر من الأكراد حيث يبلغ عددهم 30 مليون مواطن ويشكلون ما نسبته 20% من السكان.
وتشكل قضية الأكراد مع قضية اللجوء السوري في ظل الأزمة الاقتصادية في تركيا ضغطاً سياسياً على أردوغان وحزبه في أي انتخابات مقبلة، ويمكن أن تهدد تحالفه مع أحزاب اليمين القومي. بالمقابل لا تمانع الولايات المتحدة في رفع غطائها عن قسد، إذا حصلت على مكاسب سياسية واقتصادية في المنطقة. علماً أن أي اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيا الكردية (الانفصالية) سيلقى دعماً من إيران التي بدأت تعاني من المسألة نفسها ما اضطرها لشن حملات على قواعدهم داخل العراق.
وأخير فإن أوروبا لن تمانع كثيراً في ضرب الأكراد (الانفصاليين) إذا كان الثمن سحب الاعتراض التركي على دخول فنلندا والسويد إلى حلف ناتو.
المشكلة الحقيقية في الحرب على سورية اليوم هي تنظيم “دا*عش” الإر*ها*ب*ي.
الولايات المتحدة متمسكة به إلى أبعد الحدود لأنه المبرر لبقائها في سورية والعراق، وإسناد مهمة تصفية “دا*عش” للجيوش الوطنية يمكن أن يحمل معه مخاطر كبيرة، مثل دخول إيران على خط المعركة كما حدث في معركة تحرير الموصل، والأهم احتمال دخول روسيا أيضاً على خط الحرب على الإر*ه*اب، وهو أمر مرفوض أميركياً وأوروبياً خاصة في ظل الحرب التي تدور في أوكرانيا.
بالنسبة للولايات المتحدة “دا*عش” موجود ليبقى على المدى المنظور، أو على الأقل حتى حسم موضوع الملف النووي الإيراني، وظهور نتائج العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. “دا*عش” ليس موجوداً في الشمال فقط، ولكنه منتشر في المنطقة الشرقية وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن، حيث تقع قاعدة التنف التي تشكل مركز الدعم اللوجستي لخلايا “دا*عش” المنتشرة في البادية السورية، وبعض مناطق محافظة الأنبار العراقية. هذا الحضور الداعشي في البادية السورية أعطى المبرر لعقد الاتفاقية العسكرية الأردنية– الأميركية، والتي سمحت للولايات المتحدة بإقامة قاعدة عسكرية كبيرة في منطقة المفرق في شمال الأردن، وهي تشكل مع القواعد الموجود في دول الخليج والعراق ستاراً حديدياً عسكرياً هدفه منع إيران وروسيا والصين من التمدد غرباً، ومنع دول المنطقة من التوجه شرقاً.
على الجبهة الجنوبية يمثل وجود “دا*عش” إشغالاً دائما لقوات الجيش العربي السوري، وبالتالي تحتفظ «إسرائيل» بقدرتها على القيام بأعمالها العدوانية ضد المواقع السورية، مع رد محدود من الجانب السوري في محاولة لتجنب فتح جبهة في الجنوب مع العدو يمكن أن تكون تكلفتها باهظة. لكن «اسرائيل» تعلم تماماً أن كل هذه الاعتداءات سيتم الرد عليها بالشكل والقوة المناسبين، في الوقت المناسب؛ وهو وقت استعادة سورية لعافيتها.
لا تستطيع تركيا الذهاب بعيداً في تحدي الولايات المتحدة والقيام بعمليات منفردة أو مشتركة ضد دا*ع*ش. لذلك يشعر د*ا*عش بالاطمئنان مؤقتاً من أنها ورقة أميركية لا يمكن التفريط بها.
على الجانب الآخر يمنح التفاهم السوري – التركي، سورية مجالاً لالتقاط الأنفاس في مواجهة التكفيريين في الشمال الغربي، وطموحات قسد الانفصالية في الشمال الشرقي، ويجعل المهمة موزعة على أكثر من طرف بما فيهم تركيا، وبضمانات روسية. إذا تحقق هذا السيناريو فإن الجيش العربي السوري سيجد الفرصة لملاحقة خلايا دا*ع*ش في البادية السورية مدعوماً من الحشد الشعبي على الجانب العراقي، وبدعم لوجيستي إيراني- وروسي. كما سيمنح الجيش العربي السوري مساحة أكبر للرد على الاعتداءات الصهيونية. هذا السيناريو هو السبب الذي يجعل الولايات المتحدة و«إسرائيل» تقفان ضد محاولات التفاهم بين سورية وتركيا، لكن الأمور ما زالت تشير إلى أن هذا التفاهم يسير على الطريق السليم. حلفاء أميركا يتمردون عليها، ليس إلى درجة الخروج من تحت العباءة الرأسمالية الغربية، ولكن الدول القوية اقتصادياً أو الكبيرة جغرافياً أصبحت أكثر قدرة على تغليب مصالحها الوطنية، على المصالح الأميركية. هذه اللحظة من التاريخ مهمة، لأنها لحظة انعدام الاستقرار، ويمكن للتغييرات الكبرى أن تحدث، فإذا مرت هذه اللحظة سيكون التغيير صعباً. لذلك تجد سورية أن الوقت حان لتغليب الواقعية السياسية في التعامل مع تركيا، لأن ذلك يضمن التفرغ، نسبياً، للتخلص من تنظيم دا*ع*ش الإر*هابي وهي مهمة صعبة جداً في ظل الحضور الأميركي، كما أن خروج ق*س*د وحلفاء الولايات المتحدة من مواقع آبار النفط السورية سيساهم في حل جزء مهم من الأزمة الاقتصادية التي خلفتها الحرب الإر*ها*بية على سورية.
كاتب من الأردن
أقرأ أيضا: