فرصةُ استثمارٍ لا إغاثة
بكلماتٍ مؤثّرة فعلاً، خاطبَ الإعلاميٌّ العراقيّ مهدي الكاظمي حكومةَ بلاده، مستنهضاً إملاءات الواجب تجاه الشعب السوريّ المأزوم بسبب كلّ ما أنتجه «خُبثُ» العقل البشريّ من ضروب التضييق والحصار.
الصوتُ العروبيّ القادمُ من بغداد هذه المرّة، لم يكنْ هو الوحيد ولا الأوّل من نوعه على مستوى الشارع العربي، بل إنّ الأصوات التي تستصرخ الضمائرَ تكرّرت، وبإلحاحٍ يُنبئ، ويكشفُ عن تجلّيات عميقة للشقاق الشعبيّ العربيّ مع الحكومات فيما يخصّ المسألةَ السوريّة تحديداً.
حتى وإن لم تكنْ هذه العواطفُ ذات وزنٍ نوعيّ في موازين الترجيح السياسيّ، فإنها يمكن أن تكون حالةَ تثقيلٍ للمواقف في حال توافرت الإرادةُ السياسيّة.. أوليسَ الإنصاتُ لصوت الشارع حالةً ديمقراطيةً سهلةَ التسويق والتوثيق لدى محبّي رفع مثل هذه اليافطة البراقة في المحافل الدولية لو أرادوا ذلك؟؟.أليس هو أحد الروائز المهمّة في صناعة القرار، ولو على سبيل الاستعراض؟؟.
اليومَ، لم تعد دعواتُ الإغاثة بخبزٍ أو نفطٍ أو دواء مجديةً، بل إنّ ثمة ما هو أهمّ بكثيرٍ يتعلّق بمستقبل سورية..سورية الدولة الوطنية التي دفعت فاتورةً باهظةً لتبقى سيادتها مصونةً.
ويبدو أنّ الحراكَ في الكواليس السياسيّة مكثّف في اتجاه إرساء ارتسامات الحلّ المُستدام على الأرض، واستدراك التشوّهات البنيويّة التي خلفتها الحربُ الظالمة على البلاد، فثمة أراضٍ سوريّة محتلة، والمحتلُ ذاته يلوّح من بعيد بشاراتٍ بألوانٍ متعددة، كما أن المسألة تمتد في عمق منظومة العلاقات الدولية في المنطقة..وثمّة مستجداتٌ مختلطة تجعل الموقفَ الرسمي العربيّ المعلن أهمّ بكثيرٍ من مجرد ضخّ العواطف والمشاعر الدافئة في الأقنية غير المنظورة.
الموقفُ العربيّ الصريحُ يمكن أن يشكل ثقلاً في ميزان القوى السياسيّ، اليومَ وليس غداً..فعودةُ سورية إلى جامعة الدول العربية قبل إنجاز التسويات مع التركيّ أهمُّ بكثير من عودتها بعد الوصول إلى تفاهماتٍ مع أطرافٍ غير عربيّة، وإلا فلن يكون للجامعة كلها طعمٌ ولا لونٌ، إن كانت تنتظر إيماءات الموافقة من بعيد.
بعد الحلّ..ثمةُ استحقاقٍ عربيّ واسع الطيف تجاه سورية، استحقاق يتصل بمفهوم إعادة إعمار سورية، هذا المشروع الوطنيّ الكبير بفاتورته الباهظة هو الذي يجب أن يكون فحوى التوّجه العربيّ، شعبياً ورسميّاً، نحوَ سورية.
بعضُهم يرى أنّ المشروعَ استحقاقٌ..وآخرون يرونه استثماراً..ولابأس في أن يكون الاعتبارين معاً.
لقد تجاوزنا مُناشداتِ الإغاثة والوجدانيّات التي لاتصنعُ استدامةً..نحنُ اليومَ أمام أفقٍ جديد، إن لم يتعاطَ معه العربُ ، فقد تكونُ لدى سواهم مهاراتٌ أفضل في التقاط الفرصةِ..والقادماتُ من الأيام ستحكمُ.