رسائل الإنذار السوري الأخير.. أمريكا راعية الإرهاب واللصوصية حول العالم

ميشيل كلاغاصي:

منذ عقود لا تزال الولايات المتحدة تخطط للعدوان على الدول والشعوب، وتتحرك باّلتها العسكرية، وعملائها ووكلائها الإرهابيين، وتسيطر على موارد الدول وثرواتها، وتدمر اقتصاداتها، وتقتل الناس، وتسرق ما تسرق، كأن شيئاً لم يكن..! لا يمكن لأي دولةٍ شريرة أن تُنافس الولايات المتحدة على صدارة لائحة الدول الإرهابية حول العالم، ومع ذلك تذهب بعيداً في محاسبة ومقاضاة من يعترض طريقها، بأساليبها الخاصة، كالعقوبات والغزو ومضاعفة الإرهاب، وتسييس كل ما يمكن وما لا يمكن تسييسه، من أجل الإبقاء على ضغوطها وهيمنتها على الشعوب والدول.

لا يمكن تجنب وصفها بالدولة اللص، وكذلك ساستها بأنهم أسوأ الشخصيات في المشاهد السياسية وأكثرهم وقاحةً، وما تبجح به الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بقوله: “أصبح النفط السوري في قبضتنا”، وهذا كافٍ لنسف ادعاءاتها وأكاذيبها لتبرير وجودها غير الشرعي على الأراضي السورية، وأنها هنا من أجل “محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وإذ بها تقصف المدن السورية بصواريخ “توماهوك”، وتدمر مدينة الرقة بالفوسفور الأبيض، وتقصف مواقع وعناصر الجيش العربي السوري في جبل الثردة – ريف دير الزور، وفي عدة مواقع أخرى، وتقيم عشرات القواعد العسكرية على الأراضي السورية، وتُطلق أيادي قواتها العسكرية لتنفيذ جوهر مهامها على الأراضي السورية، بحرق وسرقة الأقماح السورية، وإخراج مئات الصهاريج والأرتال المحملة بالنفط السوري المسروق، على الرغم من ادعائهم السعي لتحقيق أهدافٍ استراتيجية في سورية ومحاربة تنظيم “داعش”, لكن ما تبين وتأكد وما تم توثيقه، هو أنهم يسعون وراء استراتيجية “السرقة واللصوصية” الأمريكية.

تبدو الولايات المتحدة أخطر مما يمكن تصوره لدولةِ عدوانٍ واحتلال حول العالم، بعدما باتت تتصرف من خلال اعتقادها بامتلاكها حق العدوان وإراقة الدماء وسرقة الدول والشعوب، وتهديد وحدة وسلامة أراضيهم، وانتهاك سيادتهم وأمنهم القومي، وحتى بمعاقبتهم ومحاسبتهم ومقاضاتهم، وباتت مهمة إيقافها وكف يدها عن رقاب الدول والشعوب، مهمةً تبنتها بعض الدول كسورية وإيران وروسيا والصين وفنزويلا واليمن وغيرها، لإنهاء عصر هيمنتها الأحادية على العالم، في غياب وصمت الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتأييد أشرار العالم كحلف “ناتو” والاتحاد الأوروبي وغيره.

وفي هذا السياق، بات واضحاً أن الاتحاد الأوروبي ينوب عند الطلب والتكليف عن سيده الأمريكي، بالتمهيد لسرقة ثروات ومقدرات الدول والشعوب، ولتكريس وفرض قواعد مشابهة لما تم فرضه على الأصول والأموال الإيرانية، وهي بطبيعة الحال قواعد للقرصنة البحتة، وعليه يسعى الاتحاد الأوروبي إلى قرصنة الأصول الروسية المجمدة، وسرقة الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي الروسي و”إعادة استثمارها” في أوكرانيا، تحت عنوان تمويل مشروع “إعادة بناء الاقتصاد الأوكراني”، الذي مزقته الحرب التي فرضتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على جميع الأطراف.

تجدر الإشارة إلى أن الأصول الروسية المجمدة من جراء العقوبات الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وهي أصولٌ خاصة تقدر قيمتها بنحو 19 مليار يورو، وأصول حكومية مملوكة لكيانات حكومية، تبلغ قيمتها حوالي 300 مليار يورو، من الاحتياطيات الدولية التي يحتفظ بها البنك المركزي الروسي.

ومن خلال “عبقرية” اللصوص وببغائية “القطيع الأوروبي” الوكيل، رأت المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أنه: “يجب على روسيا أن تدفع مقابل الدمار الذي تسببت به”، ويتعين على موسكو “تعويض أوكرانيا عن الأضرار وتغطية تكاليف إعادة بناء البلاد”، في وقتٍ لا يمكن “للزعيمة” الأوروبية قول الحقيقة، وإنهم كاتحاد لـ 27 دولة أوروبية، يعانون في خضم أزماتهم الداخلية التي نشأت بفضل اندفاعهم وراء “سحق الاقتصاد الروسي”، من ارتفاع التضخم، وينظرون إلى تجميد وبيع الأصول الروسية كفرصة لملء جيوبهم بالأصول الروسية، بغياب ما يُثبت أن وجهة تدفق الأموال ستكون نحو أوكرانيا، خصوصاً أنهم جميعاً “ينعمون” برصيد وتاريخ لصوصي معروف تماماً، كدول استعمارية، اعتادت السرقة والنهب.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجب على موسكو دفع فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا، الناجمة عن حربٍ شنتها واشنطن و”ناتو” والاتحاد الأوروبي، وقاموا بتهديد أمن روسيا القومي، وبمجمل المجازر والاعتداءات والاستفزازات، التي أجبرت روسيا على القيام بعملية عسكرية خاصة للدفاع عن نفسها وشعبها، تلك الحرب لم يحاول الغرب منعها، والحوار من أجلها، بل على العكس قام الاتحاد الأوروبي بتمويلها وبنقل أسلحته ومعداته العسكرية وقواته نحو الحدود الروسية قبل اندلاع الحرب، ولعب دور المحرض الرئيس لنشوبها، ويجب عليه أن يدفع هو و”ناتو” والولايات المتحدة مقابل الأضرار التي لحقت بأوكرانيا وروسيا.

ولا بد من توجيه السؤال للسيدة أورسولا فون دير لاين، لماذا لم يتم تطبيق مثل هذه الجهود على الحروب والغزوات المباشرة وغير المباشرة، التي شنتها وقادتها الولايات المتحدة على العديد من دول العالم، والتي أدت إلى تدمير وخراب لا يمكن تخيلهما حتى.. وعلى سبيل المثال، فقد أدى الغزو الأمريكي لأفغانستان واحتلاله لمدة 20 عاماً، إلى الانتهاء به بلداً مدمراً يعج بالإرهاب والإرهابيين، لا يتوقف فيه العنف والمذابح وغيرها من الفظائع، كذلك ألحق الغزو الأمريكي للعراق دماراً وتخريباً وعدداً قياسياً للضحايا والمصابين والجرحى، من دون أن ننسى ما فعلته في فيتنام، الصومال، باكستان، والقارة الإفريقية، ناهيك بفظاعة أفعالها في سورية وليبيا واليمن.

فهل توافق السيدة فون دير لاين على تجميد الأصول الأمريكية واستخدامها لتمويل إعادة إعمار تلك الدول وتعويض أسر المدنيين الذين قضوا فيها من جراء الغزو الأمريكي؟

ومن المثير للاهتمام، رؤية العلاقة والارتباط وتزامن وجود الولايات المتحدة وحلفائها في “ناتو”، والجماعات الإرهابية في المكان والزمان..! لقد فعلتها هيلاري كلينتون وفضحت بلادها وأنها صنّعت تنظيم “داعش” وأطلقته، ليقود بإجرامه سياساتها تجاه الدول والشعوب، كما سبق لها وخلقت عصاباتها من داخل مستوطنيها، الذين أبادوا السكان الأصليين واحتلوا أرضهم.. لذلك تبدو صناعة الإرهاب صنعة وبصمة أمريكية بحتة، ولم تقدم للعالم سوى القتل والعنف والخراب والتدمير والسرقة واللصوصية المحترفة.

وفي الحديث عن الإرهاب الأمريكي في سورية، يدرك ويراقب ويرى العالم ومنظماته الأممية والإنسانية , أن الجيش الأمريكي ما زال يحتل مناطق واسعة في شرق وشمال شرق سورية، ويستمر بنهب النفط السوري، ويمنع دمشق من إعادة بناء اقتصادها وبناها التحتية التي دمرتها الحرب الأمريكية – الدولية – الإرهابية على سورية.

فبعد سنوات من محاربة الإرهاب الأمريكي وأدواته الدولية والإرهابية، تحولت سورية إلى أيقونة الصمود والنموذج الأول في العالم، الرافض للاحتلال والتعدي على السيادة، ووحدة الأرض والشعب، والمقدرات والثروات السورية، وفي دليلٍ قاطع على ما اقترفته أيدي الإرهاب الأمريكي، قدمت وزارة الخارجية السورية بعض المعلومات والإحصاءات عبر بيانها في 13/12/2022، وبينت فيه أن حجم الخسائر المباشرة لاعتداءات قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات والكيانات الإرهابية التابعة له بلغ 25.9 مليار دولار”، في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 86 مليار دولار”، وبإجمالي 111.9 مليار دولار، خسائر في قطاع النفط السوري.

لقد أحرجت الخارجية السورية كلاً من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن، من خلال رسالتها لهما، التي تضمنت شرحاً مسهباً للممارسات الأمريكية العدوانية المتواصلة، من خلال استمرار وجود قواتها بشكل غير شرعي على أجزاء من الأراضي السورية في الشمال الشرقي وفي منطقة التنف، مشيرة إلى أفعال قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيات المرتبطة بها، وتواصل عمليات النهب المنظم للنفط والقمح وغيرهما من الثروات الوطنية للشعب السوري، وطالبت الأمم المتحدة “بوقف انتهاكات الولايات المتحدة وحلفائها للقانون الدولي وأحكام الميثاق وضمان التعويض عنها، وإنهاء الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية وإعادة حقول النفط والغاز التي تحتلها إلى الدولة السورية”.

تبدو رسائل وزارة الخارجية بمنزلة إنذارٍ أخير ، يشي بأن صبر دمشق الاستراتيجي قد نفد، ولن تستطيع واشنطن تحمّل تبعات الانطلاقة الكبرى للمقاومة الشعبية المدعومة من الجيش العربي السوري، وعليه أظهرت الرسائل الحزم والغضب في إشاراتها الصريحة إلى “صمت مجلس الأمن والأمانة العامة” عن إدانة ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي ونهبها النفط السوري وتخريبها البنى التحتية، ولتجاهلهما معاناة الشعب السوري من جراء الحصار والإجراءات الاقتصادية القسرية التي تفرضها واشنطن وبروكسل، تلك الممارسات والإجراءات التي تصل إلى حد اعتبارها “جرائم حرب”، تزيد معاناة الشعب السوري، وتمنع جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار، كما طالبت رسائل الخارجية “بوجوب رفع العقوبات بشكل كاملٍ، وبالتحرك العاجل للارتقاء بالوضع الإنساني وتوفير الظروف المناسبة للعودة الطوعية الآمنة والكريمة للمهجرين واللاجئين إلى وطنهم”.

وتبقى دمشق، التي يعترف العالم بجمالها وسلامها، وبدورها ومكانتها الحضارية والإنسانية والثقافية، وبأبجديتها الأولى التي صدرتها إلى كل أنحاء العالم، تستحق تضامن كل دول وعواصم وشعوب العالم الحر، والتظاهر بالملايين لرفع الصوت والهتاف: “كفوا أيديكم عن سورية، ودعوها تفوح بعطرها وتنثر ياسمينها حول العالم مجدداً”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار