أوروبا المأزومة

ورطت الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأوروبية في الأزمة الأوكرانية، وأصبحت هذه الدول طرفاً في الصراع بعد أن وقفت ضد روسيا، وراحت تنفذ أوامر واشنطن بإرسال الأسلحة والأموال والمرتزقة إلى نظام كييف لتأجيج نار الحرب، ومنعت الطرف الأوكراني من التفاوض مع روسيا لوضع حد للصراع، وانضمت إلى البيت الأبيض في فرض العقوبات على موسكو، وقطعت العلاقات معها من دون أن يكون هناك أي مصلحة للشعوب الأوروبية سوى إرضاء الإدارة الأمريكية، التي خططت لهذا الصراع من أجل إضعاف روسيا حتى لا تتمكن من منافستها على الساحة الدولية أو الانفراد بالقرار الدولي.
وانساقت الدول الأوروبية بشكل أعمى وراء السياسة الأمريكية وتنفيذ رغباتها في عزل روسيا ومقاطعتها، وقامت مؤخراً باتخاذ قرار على مستوى الدول السبع بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي بـ60 دولاراً للبرميل الواحد، وهذا ما رفضته موسكو واتخذت قراراً مضاداً بالامتناع عن بيع نفطها لأي دولة تلتزم بالقرار الأمريكي، ما يلحق الضرر بشكل مباشر بالدول الأوروبية، التي هي بأمسّ الحاجة إلى النفط الروسي، وخاصة أن هذه الدول دخلت فصل الشتاء القارس، حيث ستعاني الشعوب الأوروبية معاناة شديدة نتيجة النقص الكبير في المحروقات.
واتضح أن المستفيد الأول من هذا الصراع هو الولايات الأمريكية على حساب الدول الأوروبية وحياة شعوبها، فالنفط ارتفعت أسعاره في الأسواق العالمية، كما أن واشنطن نكثت بوعودها في تأمين النفط البديل لأوروبا من الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا ما أرسلت شحنات إليها فستكون أسعارها أكثر بأربع مرات من سعر النفط الروسي، وبذلك تجني واشنطن أرباحاً خيالية، إضافة إلى أنها تحصل على المداخيل الكبيرة من وراء صفقات الأسلحة، التي فرضتها على الدول الأوروبية لتزويد نظام كييف بها لمواجهة الجيش الروسي، حتى ظهر مؤخراً أنه لم تعد مستودعات الأسلحة الأمريكية قادرة على تلبية الطلبات الأوكرانية، وهذا كله على حساب الدول الأوروبية التي بدأت تعاني من تضخم غير مسبوق وارتفاع كبير بأسعار السلع والحاجات لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وعلى غير ما توقعت إدارة بايدن لم تستطع العقوبات، التي زادت على 11 ألف عقوبة فُرضت على روسيا، أن تؤثر في الواردات الروسية، وتهز الموازنة الروسية، بل العكس حيث زادت مداخيل روسيا من النفط بعشرات المليارات، وفتحت موسكو أسواقاً جديدة، إضافة إلى تعميق علاقاتها مع الصين والهند وإيران ودول أخرى، وتبين أن رغبات واشنطن بعزل موسكو ذهبت أدراج الرياح، والقرار الأخير بتسقيف أسعار النفط الروسي سينقلب على الدول التي التزمت به، وبالأخص على الدول الأوروبية، التي بدأت تدفع ثمن تبعيتها للإدارة الأمريكية بالغلاء والتضخم والاضطرابات وقيام التظاهرات في مختلف أنحاء القارة الأوروبية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار