فائزونَ في «مونديالِ الغذاء»
معذورونَ، نحنُ السوريين، إن اختلطتْ علينا تفاصيلُ المشهد الراهن تماماً، وتشتتتْ بوصلةُ استشعار مصادر وجعنا وألمنا العميق، إذ لم نكدْ نخرجُ من متوالية سبعٍ عجافٍ تقريباً تلو سبعٍ، حتى دخلنا، من جُملة الداخلين، في نفق أزمةٍ كبرى كونيّة الهويّة هذه المرة.. أزمة كونيّة بكل معنى الكلمة من دون الاضطرار للمقاربات اللفظيّة المجازيّة.
الآن، باتَ ثمة ما هو أبعدُ وأعمقُ بكثيرٍ من «قيصر والحصار»، فهناك أزمة طاقةٍ عالميةٌ، ومثلها أزمة غذاءٍ وبذارٍ وسماد، بل إنّ هذه «الأدوات الأربع» غدت عتادَ حربٍ عالميّة ثالثة باتت أمراً واقعاً اليوم، بينما مازالت مراكزُ التحليل الاستراتيجي تتسابق لحيازة وسامَ التنبّؤ بها.. لكنْ هل تختلفُ الحروبُ من حيث تبعاتها، إن كانت خرساءَ أم صاخبةً، مادام الموتُ جوعاً لا يختلف عن الموت قتلاً بالرصاص من حيثُ المآل؟
في مثل هذه الحروبِ يغدو السباقُ سباقاً نحو الخلاص.. الخلاص الجماعيّ الذي لا ينفع ولا يجدي معه الخلاصُ الفرديّ، والموارد هي الحلّ وطوقُ النجاة، فالأزمةُ هي أزمةُ موارد، لأنّ الحربَ الجديدة الآن هي حربُ موارد، بعد أن نجحَ الغذاءُ في إزاحة التكنولوجيا من واجهات استعراض التفوّق وحلّ محلّها، منذ أنّ بدأ الحديثُ عن ملامح نهاية زمن الغذاء الرخيص.
فعلاً.. لقد عاد العالمُ إلى المربع الأوّل عنوةً وقسراً، ومَنْ يدري؟ ربما ستتقهقر شعوبٌ بلا موارد، وتعودُ إلى طور «الجمع والالتقاط»، وستفاخرُ شعوبٌ أخرى بانتمائها إلى حقبة «الحضر الزراعي»، وغيرهما من مراحل تدرّج البشرية وارتقائها.
في خضمّ هذه التناذرات بالعودة إلى الحضيض، لا نبدو في دوامة الخطر ذاتها التي سيهوي إليها الكثيرُ من الدول، إن استمرت فصولُ هذا المشهد القاتم، لذا، يجب أن نكون من بلدان «الاستثناء».. نعم، يجب أن نكونَ كذلك، فنحنُ بلدُ موارد وتنوّع طبيعي.. بلدُ الميّزات النسبيّة والمطلقة.. فهناك الطبيعةُ والخصوصيّة السورية التي تتكفّل بأن تكفي كلّ مَنْ يقيم على هذه الجغرافيا شرّ العوز، لكن شرطَ أن نُجيدَ إدارةَ مواردنا، فالإدارةُ الصحيحةُ هي مفتاحُ لغزِ الخلاص.
لن نطيلَ السردَ، ولن نغرقَ في تفاصيل مسلّمات وبدهيّات «استثمار النعمة وتفادي رفسها»، ولنقلها صراحةً، ومن «الآخر»، نحن بحاجةٍ ماسة اليوم إلى تعاطٍ جديدٍ مع مواردنا والإقلاع عن اتّهام الطبيعة التي أغضبناها من كثرة ما رشقناها بذرائع إخفاقاتنا.