«بصّارون» بياقاتٍ بيضاء!!

«الكذّابُ والدجّالُ والمتملق يعيشون دوماً على حساب مَن يُصغي»، هذه هي رؤيةُ «هتلر» للكذب، على الرغم من أنه أكبرُ مستثمرٍ لقوالب الدعاية السوداء والتضليل في التاريخ، أي إنّ الرجل كان يتحدّث عن خبرة ودراية.
وللكذّاب، عادةً، النصيبُ الأوفرُ من الحضور، ولا سيما إن كان من الطراز الخطر الذي جرّب تطبيقَ مقولة: «إذا أردتَ أن تُصدَّق، فلتكن كذبتك كبيرةً «لأن أحداً لن يجرؤ على دحضها أمام وقاحة المبالغة».
على الأغلب، إنّ فحوى الأكاذيب تكون رقماً، هكذا علمتنا تجاربُ التاريخ المعاصر، وفصولُ الخداع الكبير التي برع فيها الأميركي منذ «بريتون وودز» وفبركات الدولار والذهب وتقديرات الاحتياطي الفيدرالي والعالمي وأرقام استعراض القوّة العسكرية والاقتصادية أيضاً، وثمّة أكاذيب أخرى تكون جزءاً من محاولات تسويق الأنموذج الأميركي، ودوماً تنجحُ هذه المحاولات، لأن للرعب سطوته التقليديّة، إن كان في استوديوهات الفن أو في «مراعي البقر».
إنّ الأميركي و«نظراءه» رشقوا العالم أجمع بأرقامٍ ومعطياتٍ جعلت الجميع يفقد رشده، وتكفلت بإسكات مَن يصغي، مهما بلغ من الحكمة والتروّي، فلديهم مؤسساتٌ جاهزة و«متعوبٌ عليها» لتبنّي الفبركات وإعدادها بعناية ودراية ودهاء كبيرٍ.
لكنْ، إن كان الكذبُ الأميركي في هذا الزمان سياسةً، والأوروبي يعدّ استثماراً والتركي خساسةً والصهيوني استعماراً.. فماذا عن الكذب المحلّي؟! وماذا عن «الكذّابين» الموجودين بيننا في سورية، هذا البلد المأزوم من الحرب الإرهابية عليه والبيئة الخصبة الجاهزة لإنتاج « أطنان» من الأكاذيب الجاهزة للتصدير المجّاني، وربما المأجور.. فمَنْ يدري ؟؟
وماذا عن هواة «رجم البلاد» بأرقامٍ مروّعة بكل معنى الكلمة، وهي أقربُ إلى الكوابيس منها إلى الحقائق، من قبيل أن ثمّة معدلاتٍ صارخة للفقر المدقع التي يُفترض معها أن تُتخم المقابر بأعداد من قضوا جوعاً، وكذلك تقديراتٌ لعدد المهاجرين يظنّ معها مَنْ لا يعلم أن عدد سكّان سورية كان قبل العام 2011 أكثر من 50 مليون نسمة، إضافة إلى سلسلة معطياتٍ هي أقربُ إلى الفانتازيا، والتي لم ينجُ منها أحدٌ في هذا البلد الذي «كثرت سكاكينُه».. فمن الذي يُنتج أرقام الشؤم هذه في سورية؟؟!
ليست لدينا مراكزُ أبحاثٍ تعمل على الإطلاق حالياً، بل منذ مدّة ليست بالقصيرة، والمكتب المركزي للإحصاء لم يتبنّ رقماً شافياً منذ بداية الحرب على البلاد حتى الآن، حتى لو اجتهد، فلن تكون في مقدوره الإحاطة بكلّ المعطيات المطلوبة لإنتاج رقم دقيق أو تقريبي، لأن بيئة الإحصاء لدينا غير مكتملة، ووراء ذلك ثمّة مئة سببٍ وسببٍ، فمن أين ترشحُ أرقامُنا؟!
إن هذه الأرقامَ الارتجالية التي يستعرضها هواةُ «الأكشن» لها وقعٌ علينا أقسى من وقع القذائف والصواريخ العابرة للحدود.. نعم هكذا عودتنا منصّات «القصف» الإعلامي.. وهذه حقيقةٌ يدركها جيداً من أدمنوا «الغناء في مجالس العزاء» وتحولوا إلى مذيعي نعياتٍ كاذبةٍ.
في زمن الاستقرار كنّا نعاني للحصول على رقم دقيقٍ.. فما بالنا اليوم؟ وماذا أصابنا في هذا الظرف العصيب؟؟!.. هل علينا أن نسترخي أمام فوضى مشهدٍ يُربك، ويُبكي بالمعنى الحقيقي، وليس المجازي؟ ومَنْ أجاز لهؤلاء«البصّارين» الحديث عن سورية بهذه السذاجة المنفّرة والبغيضة؟!.. كلنا يعلم أن قراءة الفنجان عادةً تكون للتسلية، وليس لإحداث رضوضٍ عميقة يصعبُ ترميمها.. إذ عندها تمسي المحاسبة واجباً وأكثر من ضرورةٍ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار