انعقدت القمة الصينية- الأمريكية بين الرئيسين شي جين بينغ وجو بايدن في مدينة بالي الإندونيسية على هامش قمة العشرين وسط اهتمام عالمي واسع واهتمام أمريكي لافت، وهذا أول لقاء بين الرجلين بعد تولي بايدن الرئاسة، وهو ما يعول عليه في تقليص التوتر بين العملاقين الصيني والأمريكي الذي وصل الذروة بعد استفزاز الولايات المتحدة للصين بزيارة مسؤولين أمريكيين إلى تايوان في مقدمتهم نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي وعلى أثر ذلك ردت الصين بمناورات عسكرية ضخمة على مقربة من الحدود التايوانية استمرت عدة أسابيع ولا يزال التوتر مستمراً.
لا نعتقد أن قمة الساعتين بين بايدن وشي حلت الخلافات الكبيرة والمعقدة بين البلدين منذ عقود، ولذلك وضعوا عنواناً متواضعاً للقمة وهو إدارة الخلافات بينهما، وقد استبق الرئيس الصيني المحادثات مع بايدن بتصريح صارخ بأن الصين لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمر وهي عبارة حاسمة بشأن جزيرة تايوان التي تعدّها الحكومة الصينية جزءاً لا يتجزأ من أراضي الصين ولا تعترف بانفصالها، بينما تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية ورقة تايوان للضغط على الصين وتعمل على استفزازها واستنزافها ومحاولة إبطاء تطورها وتقدمها من خلال هذه الورقة ومن خلال التحالفات الأمريكية مع أستراليا واليابان ودول أخرى في المحيط الهادي ضد الصين.
لقد اتسمت القمة الأمريكية الصينية بأنها جاءت بطلب أمريكي وبأنها خلت من الإملاءات الأمريكية، حتى إنها كانت تتميز بطابع الندية الكامل بين الطرفين، بل من الواضح أن الحاجة الأمريكية لعلاقات متطورة مع الصين ماسة وتجعل الخلافات بينهما تتنحى جانباً أو تتجمد، وهو ما ميّز هذه القمة الحالية، ويعود السبب لهذا التراجع الأمريكي أمام الصين إلى وصول الصين إلى مكانة اقتصادية رفيعة تنافس فيها الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وإلى محاولة استمالة الصين لتكون بعيدة عن روسيا في ظل عمليتها العسكرية المتواصلة في أوكرانيا من جهة ثانية.
إن محاولات واشنطن لإبعاد الصين عن روسيا لم تتوقف منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا، وزادت المحاولات بعد الحرب بهدف الاستفراد بروسيا وعزلها دولياً، وكان من بين أهداف القمة الصينية الأمريكية إضعاف العلاقة الصينية الروسية، وخاصة في معمعة الحرب الجارية في أوكرانيا بهدف إلحاق هزيمة بروسيا في هذه الحرب بأي شكل من الأشكال، وهو هدف تعمل عليه واشنطن ليل نهار، وهو القطبة المخفية في حماس البيت الأبيض لعقد هذه القمة، إلّا أن رهان إدارة بايدن على إضعاف العلاقات الروسية الصينية غير وارد وستبوء بالفشل، فالقيادة في بكين تدرك جيداً أبعاد هذه الخطوة، كما تعلم أنه لا يمكن الوثوق بأي إدارة أمريكية، لذلك فهي لن تقدم أوراق قوة للطرف الأمريكي وستحتفظ بعلاقات قوية ومتميزة في جميع المجالات مع روسيا، ولها ثقة بالطرف الروسي وعدم ثقة بالطرف الأمريكي من خلال تجارب عديدة.
tu.saqr@gmail.com
د.تركي صقر
90 المشاركات