ضدّ الديمقراطيّة وأكثر!
يزعمُ «ترامب» أن خليفته «بايدن» لن يصمدَ حتى يكمل فترته الرئاسية، والأخير مع محازبيه يرون أنّ الأول مختلّ ذهنياً ومنحرفٌ سلوكياً.
حكايا.. يميلُ معها العالمُ نحو اليمين ونحو اليسار، على الرغم من أنها تشبه كثيراً همروجات تنازع الرؤى حول سباق مهارات الدبكة في عرس الأمس بين «عكيد» القرية ومنافسه على الفوز بقلوب الحسناوات.
إنه صراعٌ مسلّ على السلطة، برعَ الإعلامُ الأميركي في تصديره على أنه قضيةُ رأيٍ عامٍ عالمي، في بلد تقوده المكاتبُ العميقة، يمكث رئيسه في مقصورةٍ متأخرة على مستوى منظومة القرار، لكنها مقتضياتُ اللعبة.
بالفعل، إنها لعبةُ الديمقراطية.. أدقّ توصيفٍ لمفهوم بالغ الرقيّ، أنتجته الشعوب في رحلة كفاح طويلةٍ عابرة للقرون، اختلفت خلالها المسميّات أو ضاعت وطمست، إلا أن الصحوة في المحصلة كانت على شيء اسمه «حكم الشعب نفسه بنفسه».. وأيّ شعبٍ في هذا الكون قادرٌ على حكم نفسه بنفسه، وفق الأنموذج الأميركي؟!
لعبةٌ.. بالفعل إنها لعبةٌ، يعني أننا أمام لغزٍ مطلوب حلّه، أو طقس تنافسي، وفرق ولاعبين.. وفي النتيجة، ثمة رابحون وخاسرون، وجمهورٌ للتصفيق.
أو لعلها قنبلةٌ متكوّرة، مَن تدخل مرماه يكون فريسةَ وصمةٍ قاهرة، لن تزيلها عقودٌ تطوي عقوداً في سفر التاريخ.
لعبةٌ.. أتقنها الأميركيّ فعلاً، وقذف بها، ويقذف مَن يشاء في هذا العالم، بل إنه يقصفهم قصفاً.
إن الديمقراطيةَ اليوم مسألةٌ تتصدّر القضايا الإشكالية المطلوب إعادة النظر فيها لتحديد قوامها الحقيقي، حتى لو تطّلب هذا الأمر مؤتمراً إقليميّاً أو دوليّاً، لأن كسر قطبية المفاهيم لا يقلّ أهميةً عن تجاوز القطبية الأحادية في السياسة والاقتصاد، مادامت «مصانع» الديمقراطية الأميركية تقاد بحزبٍ واحدٍ له وجهان، أحدهما اسمه «الحزب الديمقراطي» يتولّى السلطة بآلية انتخابية ممسوخة، بل هي الأكثر تشوّهاً في العالم، إنه مجمّع انتخابي بنحو ٥٠٠ صوت، يعمل على طريقة المحافل الماسونية، وبعدها تأتي الفصول المتمّمة.. اعتراضاتٌ وإعادةُ فرزٍ ومهرجاناتٌ خطابية ومعارضة وموالاة، لكنّ النتيجة تبقى كما حسمها محفلُ السيناتورات بطريقته «الديمقراطية»..؟!
إنها كذبةٌ، حاملها الإعلامُ «الديمقراطي أيضاً» الذي يتكفّل بتسويقها، كما يسوّق تحركات البوارج و حاملات الطائرات «الديمقراطية»، وقواعد الديمقراطية الجوالة.. إنها كذبةٌ، أخطرُ ما فيها أننا صدّقناها، وانطلت علينا، ولم ينجُ منها في هذا العالم إلا من تحمّل مغبة التهمة، وأغلق نوافذه أمام رياح «الديمقراطية الغادرة».
الصينُ فعلتها..وكذلك إيران وروسيا، وقريباً أوروبا التي تدفع فواتير باهظةً اليومَ، ولعلها تستحقّ، لأن الأجداد الأميركان هم أوروبيون في الأصل، ولا بأس في أن «يضرس الأحفادُ من عنب الأجداد».
إن مناهضةُ الديمقراطية، كما معاداة السامية، تهمٌ جاهزة لتحطيم مجرد رائحة غواية السيادة التي تفوح من أي بلدٍ أو شعبٍ يسعى إلى أن يحكم ذاته بذاته، لا أن تحكمه الذاتُ الأميركية أو مَن يمثّلها.
لقد أرّقتنا كثيراً ديمقراطيتُهم التي غيّروا اسمها تماشياً مع موضة المصطلحات إلى «الفوضى الخلاقة»، وما يؤرّقنا أكثر أنه مازال في إقليمنا القلقِ متشبثون بقرون الشيطان ومأخوذون بأظلافه على الرغم من رفساته القاتلة..و المقلق أكثر أن «الديمقراطية» على طريقة رعاة البقر تقتضي مسايرتهم، فإضافة إلى «فزّاعات» معاداة السامية ومناهضة الديمقراطية، تمّ أيضاً تصميمُ أكبر حقلِ تجاربٍ لشيء اسمه حقوق الإنسان، ومخابر لحرية الرأي، ومراكز لقياس الحساسيّة النفسيّة، ونتائج التحاليل تتوالى تباعاً.
نعم..إن تحطيمُ تعنّت قطبية المفاهيم ضرورةٌ سواء في الديمقراطية، أو حتى في الموسيقا والفن والطعام، وإلا فلنوطّن أعداداً تكفي من المشرّدين، ومثلها في إحصاءات الجريمة كي نتماهى مع الأنموذج الأميركي.