قمّةُ الأسفِ!
لم تعد تنفعُ مهاراتُ الإنشاء في مغازلة مقصورات القرار العربي، بعد أن أُنجزت مهمة شقّ الصف، وأُعلنت النتائج فيما يشبه مهرجانات الدم.
هناك في الجزائر يحدث شيءٌ ما اليومَ، في بلد المليون شهيد الذين لا يمكن أن «يقضوا» مرّةً أخرى بالتقادم في حسابات الذاكرة الجمعيّة للشعوب، لا هم، ولا ملايين أخرى سجّلتها، ووثقتها ماكينات رصد الكوارث العربية منذ نكبة ١٩٤٨ ونكسة ١٩٦٧ وحرب استنزاف ١٩٧٣ بعد الخيانة المخزية، و بعدها اجتياح ١٩٨٢، ثم سيناريو «الربيع الكئيب» الذي كان أدهى حادثة «اغتيالٍ» مسبقة الدفع لكرامة العرب.
وثمة أجندةٌ طويلة، عريضة، متعبة ومُحرجة تتربّع اليوم على طاولات قادةٍ عرب في قمة الجزائر، تحت أنظار أقل من نصف مليار إنسان عربي بقليل، يشكّلون ٥ في المئة من عدد سكان هذا العالم، أي هناك نصف مليار لسانٍ يتساءل ومثلها قلوب تتنازعها وجدانياتٌ لا تخلو مما هو موضوعيّ ومشروعٌ، كما لا تخلو مما هو عبثي بالمطلق أيضاً، وفي المحصلة، ثمة مليار عين ترنو بكثير من التوجّس إلى ما ستخرج به «مائدةُ بني يعربٍ» مع تأرجحٍ في الظنون بين تعزيز الشقّ، أو جَسر فجوة الشقاق العربي القائم على خلفياتٍ مستوردة لا علاقة لها بتاتاً بالهوية وعلم تقفّي الأنساب و«الجينيالوجيا» العربية التي اعتدنا أن تكون من المرجّحات القليلة الباقية للمفاخرة والاستعراض، بل اللهو في المحصّلة حيث يكون الخواء، وتكون الهواجس سطحيةً وموسميةً لا مستدامة، إذ إن الاستحقاقات التي كانت عميقةً باتت متعددةَ الجنسيات.
نُقارب القمة من وجهة نظر مواطنٍ عربي يتساءل بلسان الملايين في الشارع الشعبي عن مصير شعار تعزيز الصف العربي، أو «مواجهة التحدّيات الخارجية المحوقة بالأمة العربية» أو أيّ ملامح متبقية للعمل العربي المشترك، في زمن الإصرار على عدم عودة سورية إلى الجامعة العربية، وعن السقوط المدوّي لذريعة الإبعاد بصدىً ملأ الدنيا، لكن القرار لم يسقط؟! في وقت يدرك فيه كلّ العقلانيين بتأسّفٍ، أن إسقاط القرار ليس من صلاحيات «الآمر» العربي لكونه صدر بالإيحاء لا بالقناعة؟!
اليوم يبدو المثقّل الأهم.. أو ربما هو الوحيد، لشدّ من بقي مرتبطاً بأنباء القمة في الشارع العربي، هو مكان الانعقاد، ألا وهو الجزائر، الجزائر أمّ الشهداء، وبلد ريادة جبهة الصمود والتصدي، جزائر الزعيم القومي العروبي الرّاحل هواري بو مدين، فلرئاسة القمة كلمة المرجّح، ولهذا المرجح بقيةٌ باقية من الوقار في عمق الضمير العربي.
لكن ثمّة تساؤلات ملحّة لا يمكن أن تتجاهلها نقاوةُ وصفاء هذا الضمير، تتعلّق بملف القضية الفلسطينية وتفرّعاته الخطرة، والموقف من تركيا التي تحتل أرضاً عربية، وكذلك الموقف من الاحتلال الأميركي لأراضي الدولة العربية ذاتها التي لا يجهلنّها أحدٌ مهما ارتفع صخبُ التضليل والتعمية؟؟
وماذا عن الانتهاكات المتوالية لسماء وأرض ومقدرات هذه الدولة العربية ، وهي ليست أيَّ دولةٍ؟!
كيف سيتعاطى «الأشقاء» مع محنة «قلب العروبة النابض» وهي العبارةُ التي أطلقها الراحل جمال عبد الناصر منذ ستة عقودٍ ونيفٍ من الزمن، ومازال العالمُ العربي يحفظها عن ظهر قلب؟ باختصارٍ، أين أنتم من سورية أيّها العربُ؟
المؤثّر فعلاً في الضمير والقلب، هو الموقفُ السوري الذي آثرَ المصلحة الجمعيّة على المصلحة الذاتية، واحتفظ بالتمنيات الحقيقيّة لنجاح القمة، كما الأخ الصادق الذي قد يجافي أخاه، لكنه لا يبغضه، ويدعو له سرّاً بالتوفيق، لكن حقائق البيولوجيا والفيزيولوجيا لا يمكن أن تتجاهل أن جسداً بلا قلبٍ نابض يحتاج إلى العناية الإلهية الفائقة ليبقى على قيد هذه الحياة..فارفعوا أيديكم بالدعاء إذاً.