انتصار على الهزيمة
أغلب الظن.. لو تنبأ العرّافون الإنكليز لـ “ونستون تشرشل” رئيس وزراء بريطانيا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، بأن التاريخ سيوثق يوماً رداً عربياً سورياً لن يتأخر كثيراً على نكسة اسمها ” نكسة حزيران” الأليمة، لما أطلق عبارته الشهيرة: “إن الإجابة الوحيدة عن الهزيمة هي الانتصار “..
بالفعل لم تكن ثمة إجابة أكثر حسماً وحزماً من انتصار تشرين، على وقائع مريرة بدأت منذ العام ١٩٤٨ بكيان اسمه “إسرائيل” ، فرضته بريطانيا التي فاخر زعماؤها يوماً بأنها “الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”، وكان ذلك صحيحاً، ربما لأن “الله لا يثق بها في الليل” .
ففي تشرين ١٩٧٣ كان الانتصار بنفحة سورية على الخوف والإحباط وركام الانكسار المعنوي العربي أمام توالي الهزائم، وكانت المحطة الثانية– بعد التصحيح- في رحلة هذا البلد الواعدة نحو استحقاقات بناء السيادة وفق مفهوم الدولة الوطنية الحقيقية..
هي ذكرى.. هكذا تصنّفها أدبيات التاريخ عادةً، لكن الاستثناء أننا نحتفي بها كل ردح من الزمن على إيقاع انتصار جديد يحاكي انتصارات تشرين.. ولعلّنا اليوم أحق مَنْ في هذا العالم بلقب “المنتصر”، بما أن صراع القوى، في قوانين الفيزياء وفي العلاقات بين بني البشر وبين الدول والأقطاب والتكتلات، يؤخذ بنتائجه لا بمقدماته، لا بالتهويل والتطبيل و فبركة الحسم الاستباقي و النبوءات الجوفاء.. فقد انتصرنا في العام 1973 وانتصرنا بالأمس، وانتصرنا اليوم، وسنحصد متوالية ثمار انتصارنا ونحن نكدُّ لإعادة بناء سورية بأفقها الجديد.
المنتصر يحظى دوماً بالسيادة، حيث يمسي مقصداً لا قاصداً..وسورية اليوم هي المقصد بمسارات معلنة وخفية لكل الذين طال ترقبهم لنتائج حرب السنوات الاثنتي عشرة، و لبعض من أداروا مكنة الاستهداف من بعيد أو قريب، ومنهم من كان رأس حربة حادة لكنه أذعن للانتصار السوري، وعاد للمناورة السياسية. وفي المثال التركي ما يختصر شرحاً طويلاً، فلا تصدقوا أن الاتفاقات والصفقات قادرة على خلق أمر واقع إن لم تكن ثمة مقومات قوة حقيقية على الأرض، تبدأ من الصمود السياسي والاقتصادي و العسكري والشعبي، المعزز بخاصية الجغرافيا وقوّة الدولة التي تمسك بناصيتها ..
انتصرنا في تشرين منذ حوالي خمسة عقود.. ووثقنا انتصاراتنا أكثر عبر العقد الأخير ونيف من الزمن؛ في كل شهر، وفي كل يوم.. وسنجني ثمار انتصاراتنا عندما نتمّ بناء هذا البلد الصامد..كلُّ عام وسورية ظافرة مظفرة.. فمن يبني على انتصار، أفضل ألف مرة ممن يرمم على انكسار.