«لايك» بأصابع وطنية !!
لم نعد نصادف كثيراً من يفاخرون باستعراض قدرات أطفالهم ” الخارقة”، وكنّا نتفهّم لهفتهم لافتعال حالة من الشد المعنوي لأبنائهم، حتى لو جلدوا ضيوفهم بالاستماع إلى تغريداتهم بعشرات كلمات اللغة الإنكليزية، أو جدول الضرب في سن مبكرة مثلاً، تلاشت الظاهرة بالفعل، فقد يكون الظرف بقسوته قد طغى على النزعات الاستعراضية وغدا ثمة ما هو أهم.
لكن علينا ألّا نتفهّم، أو حتى نحاول، انتقال هذه الخصلة إلى مؤسسات العمل التنفيذي، لتدبيج تقارير الإعجاب بالإنجازات المندرجة في سياق العمل التقليدي، و” توريط” وسائل الإعلام بحملها إلى المتلقّي، بل تبنّيها لتغدو تهمة للإعلام لا لمن ادعى، رغم أن مسلّمات التراث تؤيد فكرة ” ناقل الكفر ليس بكافر” .
في الواقع .. لا يملك معظمنا إلّا الصمت على غيظ، إزاء عنوان خبر مُرسل من أصحابه، يخبرنا بأنه وبخبرات وطنية خالصة تمّ تركيب خط جديد لإنتاج الخبز في أحد المخابز الآلية، أو إجراء عمرة لمصنع قطاع عام، حتى لو كان المصنع على مقربة من قرية اشتهر أهلها بتجميع السيارات أو حتى ” صناعتها” وتحمل اسم القرية.
ولعلّنا لم نكن لنسجل تحفظاتنا بتاتاً فيما لو كنّا فعلاً ذلك البلد الفقير حتى العدم بالعقول والكفاءات والمهارات اللافتة، بلد كلّ يوم نسمع فيه عن شاب دفع باختراع أو بقيمةٍ مضافة على اختراع، يستحق انحناءة احترام وثناء، لكن أحداً لم يكترث له لتسويقه ولا لتبنيه مادياً، فقط نُمعن في الحديث عن مناقب المخترع وعبقريته فيما لو مات بأي سبب، ونحن بارعون بمعلقات الرثاء والتأسّي والندم.
لدينا تقليد سنوي اسمه معرض الباسل للإبداع والاختراع، تحول مع مرور الزمن إلى حالة كرنفالية ليس إلّا، ولم نسمع عن جهة تبنّت اختراعاً واحداً، رغم أن بعض الاختراعات ترقى إلى مستوى الكنز الاستثماري فيما لو وجدت مموّلاً أو رجل أعمال يلتقطها ويتلقفها كفرصة.
غُرف الصناعة منهمكة دائماً بإعداد المذكرات المطلبية ودفعها نحو الأروقة الحكومية، وكبار الصناعيين يتأبطون أموالهم ويتسللون إلى بلدان أخرى، وعندما يتطلب الأمر يتحول الصناعي إلى تاجر، وفق حسابات جدوى ملتوية تركز على العلاوات غير المنظورة ولا المحسوبة.. أما أن يسعى أحدهم إلى تبني اختراع ويحوّله إلى استثمار خارق فهذا ربما خارج نطاق ملكات رجل المال والأعمال السوري.
إن لم نكن على استعداد للارتقاء إلى مستوى ” العقل السوري” في تعاطينا مع أعمالنا، علينا على الأقل ألّا نمعن في تصدير صورة ممسوخة عن إمكاناتنا الظاهرة وليست الكامنة، فبأيدٍ وخبرات وطنية نصنع ونطوّر طائرة ومركب صيد بحرياً حديثاً وسيارة كهربائية، أو وسيلة نقل جماعي.. هكذا فعل سوانا ممن تعرضوا لظروف حصار صعبة، لكنهم استنهضوا واستثمروا ما لديهم، ولم نسمع أنهم فاخروا يوماً بتعمير محلج قطن أو سير ناقل أو مكنة تكرير زيوت.