الأشهر التسعة التركية الصعبة
عبد المنعم علي عيسى:
هي المرة الأولى التي يجد فيها حزب ” العدالة والتنمية ” نفسه ، منذ وصوله للسلطة في تركيا خريف عام 2002 ، أمام استحقاق انتخابي تبدو نتائجه محفوفة بالمخاطر ، والفعل بالتأكيد، وبكل المقاييس، لا يشبه نظائره التي جرت على امتداد نحو عقدين من الزمن قياساً باعتبارات عدة أبرزها أن مفاعيل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد بشكل بادٍ منذ نحو عامين تبدو آخذة في التنامي، وهي في مسارها ذاك تفعل فعل ” المذيب ” الكافي لإبطال مفعول ” اللواصق ” التي استطاعت في السابق جمع ما لا يمكن جمعه في نسيج يكتنز في دواخله عوامل القلق والاضطراب ، ومن دون شك كانت “البحبوحة ” المعيشية ، التي تزامنت مع صعود ذلك الحزب على رأس العوامل التي مكنته من التربع على سدة السلطة كل تلك الفترة المديدة التي كانت هي الأطول في تاريخ الجمهورية الحديث منذ قيامها عام 1923 ، ومنها ، أي من تلك الاعتبارات ، توسع الشقوق على الطرقات الواصلة ما بين أنقرة وبين عواصم الغرب عموماً ، وبينها وبين واشنطن على وجه التحديد ، وإذا ما كان لذلك أسبابه البعيدة والقريبة التي كانت ، وستبقى، تمثل ” حفراً متقاربة ” تحتم ” التخفيف من السرعات ” على تلك الطرقات ، إلّا أن هذه الأخيرة تكاثفت حتى غدت بدرجة معوقة لسير المركبات في الآونة الأخيرة .
أنعشت اللوحة المتشكلة بفعل العاملين السابقين جنباً إلى جنب عوامل أخرى – بعضها مهم هو الآخر من نوع فرض النظام الرئاسي ، الذي يراه البعض، سبباً مباشراً في الأزمة الإقتصادية- آمال المعارضة التركية في إمكان رسم واحدة أخرى مغايرة لسابقتها، بل لربما لا تشبهها في شيء ، وفي السياق عقدت أحزاب المعارضة الستة ، المنضوية تحت ما بات يعرف بـ” طاولة الستة ” التي انطلقت اجتماعاتها في شهر شباط المنصرم ، اجتماعها السادس في أنقرة يوم 22 آب الجاري، وفيه جرى الاتفاق على دخول انتخابات 18 حزيران من العام المقبل بمرشح واحد من دون التوصل إلى تسمية ذلك المرشح ، وهو أمر سوف يكون صعباً، لكن الرهان هنا يقوم على أن تدفع التهتكات الحاصلة في بنيان السلطة إلى مزيد من التلاقيات وصولاً إلى التوافق على اسم ذلك المرشح .
يمكن القول إن التلاقيات القائمة راهناً بين أحزاب ” طاولة الستة “، التي تجمع ” الشعب الجمهوري – الجيد – التقدم والديمقراطية – المستقبل – الديمقراطي – السعادة ” ، هي بدرجة أكبر من الافتراقات التي لا يزال بعضها جوهرياً من نوع الخلاف حول لمن ستنعقد الراية ، ثم التوجس الحاصل في ذلك البنيان من حزبي ” المستقبل ” و ” التقدم والديمقراطية ” الخارجين من رحم ” العدالة والتنمية ” الذي يهدف ذلك التكتل إلى طي صفحته ، وهو أمر ، فيما لو حصل ، سيعيد هذا الأخير ثانوياً في الحياة السياسية تماماً كما حصل مع حزب ” الرفاه الإسلامي ” بعيد خسارته للسلطة عام 1997 ، فيما التلاقي الأهم يقوم على ضرورة إنهاء النظام الرئاسي القائم في البلاد منذ عام 2018 ، والعودة إلى النظام البرلماني، والمؤكد أن هذا الطرح يحظى بتأييد أغلبية القوى والفعاليات الاقتصادية في البلاد التي تنظر إلى تجربة هذا الأخير على أنها تمتلك ” الديناميكية ” اللازمة لحركتها التي افتقدتها في غضون السنوات الأربع التي ساد فيها الأول .
كانت آخر الاستطلاعات ، التي أجراها مركز ” ماك ” في شهر آب المنصرم تشير إلى أن الانتخابات ، فيما لو أجريت الآن، فإن ” تحالف الأمة” المعارض سيحظى بنسبة 43% من أصوات الشارع التركي ، في حين سيحظى ” تحالف الشعب ” الحاكم بتأييد 35 % من ذلك الشارع ، ومن المؤكد أن هذه الصورة ليست ثابتة ، بمعنى أنه من الصعب الركون إليها في الحسابات السياسية ، وهي مرشحة لانقلاب رأسها على عقبها ، في بلاد تلعب فيها السياسة الخارجية دور ” الساحر ” القادر دائماً على قلب الطاولة.