كان أبو نعيم يعبر النهر الكبير الجنوبي يومياً تقريباً في مثل هذه الأيام برفقة حماره الذي يحمل الكثير من الصناديق الخشبية المليئة بالتفاح والعنب اللبناني من الصنف الثاني والثالث.. يجول على أغلبية قرى السهل المشترك بين البلدين يقايض في تجارته التفاح أو العنب بالحنطة أو الشعير أو الفول السوداني..
كنا أطفالاً في تلك الأيام ننتظر أبا نعيم وحماره من أجل زيادة التشكيلة الغذائية على قلتها طبعاً، وفي الوقت الذي لم تكن زراعة التفاح والعنب والبرتقال قد درجت في الساحل.. حيث المساحات المزروعة الآن بالتفاح كانت أراضي وعرة و(فكات) من الحجارة قام الفلاح الساحلي بنحتها حتى تحولت إلى أرض خصبة تنتج مختلف الخضار والفاكهة وألذها مذاقاً ..
كان أبو نعيم يدرك مدى النقص في هذه المواد في القرى الحدودية لذلك كان يبتز المستهلكين تماماً كما يفعل الباعة وتجار سوق الهال في هذه الأيام، خاصة أن الرقابة عليهم منفلتة من أي عقال.. ورغم ذلك كان أهلنا يوافقون على هذا الابتزاز ليرتاحوا من النق والملامة..
في تلك الأثناء لم تكن هناك وزارات ومؤسسات مختصة بتحديد الأسعار ولا بالتدخل الإيجابي.. ولا يعرف أبو نعيم أن هناك وزارة تضع نشرة أسعار تأشيرية للتفاح، ولا للفروج أو البيض .. ولا العلكة.. ولم يكن ينتظر أن توجه ذات الوزارة مؤسسة التدخل الإيجابي لديها لتسوق التفاح والبرتقال والبطاطا .. والقرع من (المنتج إلى المستهلك)، لذلك لم تتأثر تجارة أبي نعيم يوماً بالقرارات المترددة والمترنحة.. أي غير المستقرة التي تصدرها هذه الجهة أو تلك ..
كانت زوجة خالي رحمهما الله، أول من (يقطع طريق) أبي نعيم وتقوم بانتقاء حبات التفاح الجيدة وتترك (المضروب) لبقية المستهلكين.. تماماً كما يفعل المتعاملون مع ذراع التدخل الإيجابي الذين (يهوون) دخول الغرف المخصصة لانتقاء الحبات الجيدة ويطردون غيرهم من بقية أفراد الشعب بحجة أن الجميع سواسية.. كأسنان المشط تماماً!
قد يعود أبو نعيم يوماً مرتدياً قلنسوته المميزة (هو أصلع طبعاً) بعد أن يدرك أن حماية المستهلك تحتاج لمن يذكرها بمواعيد نضوج المواسم الإستراتيجية منها وغير الإستراتيجية، خاصة أن وزارة الزراعة مشغولة بمعالجة استيراد البطاطا، بعد أن أكل المزارعون في سهل عكار المقلب في الموسم الماضي.. وهم يستعدون (لمزحة) ثقيلة جديدة.. وما بين هذه وتلك ستبقى عينا أبي نعيم على التدخل الإيجابي!
سلمان عيسى
71 المشاركات