تحايل على الموت
1
منهم من يكون في أقصى مغارب الأرض، والآخر يكون في أقصى شرقها، في جنوبها، أم في شمالها، ثمة تقاطعات بين بعض من المبدعين، على اختلاف نتاجهم الإبداعي، وهي تكاد تكون قواسم مشتركة بينهم، حتى إنها تكاد تكون معايير إبداعية، ولعلّ أول هذه التقاطعات: عيش الحياة بكل العجلة، ومن ثم ولأن فترة الحياة محدودة، فثمة إصرار على قول الصرخة كاملة، ومن ثم إنجازها في أقل مدة زمنية، وحتى إمكانية عيش هذه الحياة بالطول والعرض والارتفاع.
في هذه الحالة لابدّ من ذكر الشاعر السوري الراحل رياض صالح الحسين، وعشرات الآخرين الذين أبدعوا في مختلف مجالات الإبداع في حيزٍ قصيرٍ من العمر.
2
و.. هنا سأشير إلى كل من الشاعرين الياباني تاكوبوكو والفرنسي رامبو، فقصة الإبداع ومن حكاية الحياة تكاد تتطابق بينهما، رامبو المولود في منزل منعزل من أحياء شارلفيل في مقاطعة الآردن بفرنسا سنة 1854، وبوكو المولود سنة 1891 قرب مدينة موريكا في محافظة إواتيه شمال شرق اليابان، من هنا من هذين الميلادين تبدأ مسيرة الحياة وكتابة القصيدة، لكن ورغم بعد المسافة المكانية بين هذين المبدعين، غير أن “الحكاية” تقريباً واحدة، ولاسيما في ترحاليهما الحياتي والشعري. والقول الشعري في مرحلة مبكرة من العمر، ودفعةً واحدة، ومن ثمّ الانكفاء في مجاهل أخرى أبعد ما تكون عن الشعر، أو هو الشعر لكن بطريقة أخرى بعيداً عن القول.
نموذج آخر من فئة قريبة من السابقة، وهي شريحة المبدعين التي بلغت عتياً بعض الشيء من العمر، وكانت تقدم إبداعها بتؤدة، إلى أن تشعر بلحظة ما، بدنو الأجل، أو إن جغرافيا العمر لم يُعد لها متسع من المساحة، فتقبل على إنجاز مشروعها الإبداعي بكل ما أُوتي لها من عزيمة، وكأنها في سباقٍ مع المنون، حتى إنّ إنجاز الإبداع خلال فترة المعاندة مع الموت، أو خلال تحدي الموت، يكاد يُضاهي كل ما أبدعه هذا المبدع المتحدي خلال حياته كلها، ألم يفعلها سعد الله ونوس، خلال مرضه، ألم يفعلها أيضاً ممدوح عدوان خلال مرضه أيضاً كحالة نادرة من الإبداع خلال ما تبقى من هذا القليل من ” كمشة ” العمر.
4
ولأن الحياة بكل هذه الجلبة، إذاً لا بأس بالكثير من الأعداء والخصوم والحاسدين، الذين قد تكون النهاية غدراً على يد أحد منهم.. فبقدر، ماعاش فولفغانغ أماديوس موتسارت (1756-1791) على سبيل المثال حياة متفردة، بقدر ما تقاطعت مع حياة الكثير من العباقرة والمبدعين. ذلك ما كانت عليه حياة رامبو الفرنسي، وتاكوبوكو الياباني، ولن يكون آخرهم، المتنبي، وأبو فراس الحمداني العربيان.