جوان جان: أفضل الأعمال التي تجمع بين جودة المضمون ورفعة الشكل الفني

حوار: بارعة جمعة:

أعطني مسرحاً أعطيك شعباً عظيماً، كيف إن كان موجهاً للطفل.. فلكي نُحدِث وقْعاً إيجابيَّاً في حياة الطفل، علينا التقرُّب منه بالأشياء التي يحبها، ولطالما كان الطفل في عهدة نشأته التربويَّة، لا بدّ لنا من السعي نحو مساراتٍ مختلفة لتكوين سلوكه الصحيح وتوضيح أشكال الخطأ أمامه، لكون المسرح إحدى الوسائل التربوية والتعليمية التي تنمّي مدركات الطفل عقليَّاً وفكريَّاً واجتماعيَّاً ونفسيَّاً ولغويَّاً، يحمل منظومة من القيم الأخلاقية عبر شخصيات متحركة على المسرح.

إشكالية النصوص

واليوم، مع لجوء الأغلبية لمحاكاة الطفل بأسلوب القصص الخيالية التي باتت مستهلكةً نوعاً ما، من دون اللجوء لتطويرها أو تدويرها من زوايا جديدة، ثمَّة قضايا عديدة يعانيها المسرح وعلى رأسها عدم توافر النص المناسب بشكل دائم، حسب توصيف الكاتب والناقد المسرحي جوان جان، فما يقدم اليوم من نصوص يحتاج إعادة النظر بها بشكل جذري، خاصة ما يتعلق منها بالرسائل التربوية والأخلاقية الموجَّهة للطفل، لنجد في أكثر الأحيان نصوصاً يعمد كتابها أحياناً لبث أفكار غيبيَّة رجعيَّة من دون قصد، ما يجعل الطفل أمامهم مجرَّد أداةٍ لتنفيذ إرادة جهات مجهولة وغير موجودة بشكل عملي وتمثل اتجاهات الخير والشر، وهنا يخرج الطفل من العرض متشرِّباً أفكاراً خاطئة من مختلف الجهات برأي “جوان”، وبمن فيهم الأهل أيضاً.

وفي حال النظر لما يُقدَّم ضمن باقات العروض المسرحية، نجد أن أكثر الأعمال المسرحيَّة نجاحاً تلك التي مازالت تعتمد أساليب ومضامين كلاسيكيَّة برأي الناقد “جوان”، والتي تدور أحداثها حول قصص ملوك وأمراء وأميرات، لتبقى محاولات ظهور أعمال مسرحيَّة ذات طابع حديث في مضامينها وأسلوبها خجولةً ومترددة برأيه، فالخوف من عدم التفاعل من الجمهور مع هذا النوع من العروض وعدم قبولها عند الطفل الذي اعتاد القوالب الكلاسيكيَّة، يدفع المسرحيين العاملين في هذا المجال لعدم المجازفة بمثل هذه المحاولات.

العنصر التمثيلي

هناك فرق كبير بين أن يضحك الطفل معك أو أن يضحك عليك، كما أن التوجُّه للطفل والتأثير به ليس بالأمر السهل، والذي يُحمِّل الممثل مسؤولية كبيرة فيما لو فشل في أدائه للدور المنوط به، وهنا يمكننا الإشارة برأي رئيس تحرير (الحياة المسرحية) «جوان جان» إلى أهمية توافر ممثل قادر على التعامل والتواصل مع الطفل، وذلك من خلال تمكُّنه من أدواته كممثل وامتلاكه اللياقة والحضور اللازمين لبناء جسر قويٍّ مع صالة المسرح، فوجود عدد ليس بالقليل من الممثلين والممثلات المتمرسين في مجال المسرح لا ينفي حاجتنا للمزيد من الفنانين القادرين على التوجُّه للطفل وإقناعه بما يُقدَّم إليه، لذا لا بُدَّ من التوسع في إقامة دورات تدريبيَّة لتوفير الكوادر التمثيليَّة المتمكِّنة القادرة على تقديم أعمال مميَّزة.

ومما لاشكَّ فيه بأن التنوع في أساليب التواصل مع الطفل موجودة، إلّا أن ما يُؤخذ على أعمال عُرفت بالرِّوايات العالميَّة عدم قدرتها على ملامس مشاعر الطفل وأحاسيسه برأي الكاتب “جان”، وبالتالي فإن اللجوء لعمليَّة إعداد حقيقيَّة وليست شكليَّة لهذه النصوص يُعدُّ أمراً ضروريَّاً برأيه، بحيث تصبح مناسبة لجمهور المسرح في بلادنا.

تنوع المضمون

إن أفضل الأعمال المُقدَّمة هي تلك التي تجمع بين جودة المضمون ورفعة الشكل الفني وصولاً إلى عرضٍ مسرحيٍّ متكامل الأركان حسب توصيف مدير مجلة الحياة المسرحية، كما أن تحقيق هذا الأمر ليس بالسَّهل وسط تضاؤل أعداد كُتَّاب المسرح من جهة، وتفضيل معظم المخرجين لمسرح الكبار على حساب مسرح الطفل من جهة أخرى، فالتنوع الملحوظ في المضمون لا ينفي اختلاف مستويات الأعمال المقدمة، ابتداءً بجودة النَّص، فعندما يستند المخرج إلى نصٍّ مسرحيٍّ جيِّد، سيضمن نجاح العرض لجهة المضمون، ليبقى دور العناصر الفنيَّة الأخرى بما فيها الأداء المنضبط والمتماسك من الممثلين بمثابة الدور المكمِّل للمضمون، ولا يمكن لأي عنصر أن ينجح من دون الآخر.

تحدِّيات المسرح

وللترابط بين كافة عناصر العمل المسرحي الذي من دونه لا يمكن أن يقوم العمل دوره في فرض شروطه على الجهة الداعمة له، لنجد اليوم بأن القطاع الخاص يحكم وبشكلٍ رئيس الحركة المسرحية للطفل في سورية، ما يجعل لبعض العروض نوعاً من الجنوح للتبسيط بكافة العناصر على حساب جودة العمل برأي الكاتب والناقد المسرحي جوان جان، فتغدو العروض هزيلة متواضعة هدفها الربح فقط، وهنا يبقى اللجوء لإقامة مسابقات خاصة بالنصوص المسرحيَّة نوعاً من الارتقاء بمستويات النصوص الخاصة بالطفل، وهو ما تعمل عليه مديريَّة المسارح والموسيقا من خلال مسابقاتها السنويَّة الخاصة بنصوص الأطفال، ليبقى تشجيع المخرجين وخاصة الشباب منهم على خوض التجارب المسرحيَّة من شأنه تطوير خبراتهم وقدراتهم، وتوفير أماكن عرض ملائمة بشكل دائم قياساً بالتوسُّع السُّكاني الممتد على مساحاتٍ شاسعة، إضافةً لتوفير الدَّعم المادي، الذي يعدّ العامل الأهم في تشجيع المقبلين على العمل في مسرح الطفل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار