مسرح الطفل في سورية.. واللعب في الفراغ
بديع منير صنيج:
لا تختلف القضايا المتعلقة بمسرح الطفل في سورية، عن أزمة المسرح العامة، من ناحية الميزانيات المسخرة له، والأجور المتدنية لممثليه وفنيّيه، وتقديم الحد الأدنى في كل شيء له علاقة بالديكور والأزياء والإضاءة والموسيقا… إلى جانب النصوص الباهتة التي لا تتعامل مع الطفولة بذكاء، وتتكئ على المباشرة في الطرح، وبعض الأغنيات والرقصات، بعيداً عن فهم ذهنية الأطفال واحتياجاتهم، وعدم الاهتمام بالقضايا الكثيرة التي تخصُّ أعمارهم، وتُحاكي مشاعرهم واهتماماتهم المُتجدِّدة يوماً بعد يوم، بحيث انتقل مسرح الطفل بما يُعانيه من أزمات مُركَّبة من حامل رسائل تربوية وتوعية وترفيهية، إلى مجرد لعب في الفراغ وحوله، من دون أدنى استجابة لمتطلبات العصر ومُبهِراته، والتي بات الأطفال على دراية بها، بعدما بات العالم مفتوحاً أمامهم، عبر الإنترنت واليوتيوب وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، لدرجة أن الكثير من الصغار الذين يتابعون مسرح الطفل في سورية، باتوا يتلمَّسون تخلُّفَهُ التقني على الأقل، وهناك شرائح منهم ينظرون باستخفاف إليه، لأنه لا يحاكي هواجسهم، ولا ذكاءهم، ولا تطلَّعهم إلى فن المسرح بجمالياته الفريدة وقدرته على الجذب الحقيقي، سواء من ناحية القصة، أو بقية عناصر العرض، حتى إنك تراهم في كثير من الأحيان شديدي المَلَلْ تجاه ما يُعرض أمامهم، وذلك بسبب الفجوة الحاصلة بين ما يشاهدونه وهم في المنزل بما يحويه من أقصى درجات الإبهار، وبين ما يتابعونه على خشبات المسرح السوري، الذي بات للأسف فقيراً في كل شيء، وخاصةً في أفكاره وأساليب جذبه لهذه الشريحة العمرية الحساسة.
ومن خلال متابعاتي المتواضعة لحال مسرح الطفل في سورية، أحياناً تكون فكرة العرض جميلة، ورسالتها غاية في الأهمية، لكن الكَيف الفنية التي يتبنّاها المخرج وفريق عمله، تخلو من أي جِدَّة أو إمتاع، بحيث يبدو أن الأطفال يتابعون عملاً مسرحياً من حقبة زمنية سابقة بأربعة أجيال، وعلى العكس فإن الإخراج الجميل أحياناً يتفوق على قوة الحدوتة ومغزاها، فيستمتع الطفل بأداء الممثلين وبهرجات الديكور والرقصات والموسيقا، ولكنه يفقد المتعة الفكرية التي هي أساس في مسرح الأطفال. وللأسف هناك بعض العروض تؤدي عكس ما تُريد، فبدل أن تشيع الطمأنينة في روح الأطفال ومخيلاتهم، فإنها تُشيطنهم وتزيد مخاوفهم، وبدل أن يقتنعوا مثلاً بعدم وجود غيلان وأشباح، تترسخ في ذهنهم هيمنة تلك المخلوقات الماورائية، وإمكاناتها الهائلة على حيواتهم، وفي بعض الأحيان فإنهم يستظرفون الشخصيات الشريرة ويكرهون الخَيِّرة، بسبب الفهم المُلتَبَس لمضمون العرض، والذي يبدأ من النص البالي فكرياً، ويستمر في رؤية المخرج المعوجّة، ويتواصل مع أداء الممثلين الذين يظهرون الشرير محبوباً و”صاحب نهفة”، بينما “الخَيِّر” يظهر بليداً وجامداً ولا يضحك للرغيف السخن.
كل ذلك يضعنا أمام العديد من التساؤلات حول مسرح الطفل ووضعه، ومنها: من هي اللجان الفكرية التي تتيح مثل تلك النصوص والتي تخالف برسائلها أبسط القواعد الأخلاقية والتربوية لمسرح موجه إلى الصغار؟ ولماذا لم نعد نرى عروضاً يكتبها الأطفال أنفسهم، ويعالجها درامياً شخص ذو كفاءة وخبرة مسرحية؟ ثم من يجيز ذاك التناقض بين النص الأساسي والعرض على الخشبة، بحيث تصبح الآية مقلوبة على قفاها، بلا أي رادع من مخرج أو ممثل؟ وأخيراً إلى متى سيتم التعاطي مع مسرح الطفل على أنه شيء هامشي قليل الأهمية، من دون النظر إلى الروح العالية التي يمتلكها وبإمكانها أن تحفر الكثير من القيم في ذهن الأطفال، وتبقى علامة فارقة في تعاملاتهم مع الحياة عموماً؟ إن لم يتم الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من قبل القائمين على مديرية المسارح والمعنيين بمسرح الطفل فإن الأخير سيبقى في أسوأ حالاته، سواء مثل فيه الكبار، أو الصغار، أو كان مسرح عرائس، أو غير ذلك من تفاصيل باتت أوصالُها متعبة من قلّة التفكير بها وإهمالها.