شواغل مسرح الطفل وأوجاعه.. أغلبية النصوص لا تُحقق شرطها الإبداعي 

علي الرّاعي:

قديمة هي محن المسرح، قديمة قدم المسرح نفسه، ليس في سورية وحسب، وإنما تمتدُّ محنه في مختلف العالم العربي، وتكاد تكون هي نفسها، وإن كانت في بلدان أخف وطأة من بلدان أخرى، وفي سورية بدأت منذ أول عرضٍ مسرحي، ذلك العرض الذي سُجّل باسم أبو خليل القباني رائد المسرح والمسرح الغنائي العربي على وجه الخصوص، أحمد أبو خليل بن محمد آغا بن حسين آغا آقبيق (1835- 1902)، وذلك ليس بحرق مسرحه فقط، بل في ندرة النصوص التي يُمكن تجسيدها على خشبة مسرحية، فكان الاعتماد على نص (البخيل) للكاتب الفرنسي موليير- جُون بَابتِيسْت بُوكْلَان‏؛ المُلقب باسم مُولْيير ( 1622- 1673م)، ومن يومها بدأت الحركة المسرحية بأكثر من محنة، وبأكثر من إشكالية، لكن هل تمتد محن المسرح وإشكالاته إلى مُختلف أشكال المسرح، وأنواعه، وإذا ما قمنا بتصغير الدائرة لتُحيط بمسرح الأطفال فقط، فهل يشتبك بمنغصاته وأوجاعه مع الهموم العامة للمسرح بشكلٍ عام.. ذلك ما سنحاول الإجابة عنه في ملف “تشرين الثقافي” لهذا اليوم:

مُقتبسة أو مُعدة

يرى الكثير من المُشتغلين في مسرح الطفل بسورية، إن مستوى الكتابة في هذا المجال، لم يتغير منذ ثلاثين سنة وأكثر، بتقنيات محدودة طوال الوقت، إذ إن أغلبية النصوص لا تُحقق شرطها الإبداعي، وهي إما مُقتبسة، أو مُعدة، أو هي من حكايات شعبية، كما أن مُعظم من كتب للأطفال هم من داخل العاملين في هذا المجال؛ مخرجون، مهندسو ديكور، لكن البؤس كان أن جميع تلك النصوص كانت بذهنية من سويتهم، وليس بسوية ذهنية الأطفال، وهي هنا لا يعني أنها تفوق ذهنية الأطفال، فقد أثبتت التجارب والدراسات، أن العكس غالباً هو الصحيح، أي إن ذهنية الطفل هي السّابقة لذهنية الكاتب، التي تبدو الأخيرة متقهقرة في اللحاق بخيال الأطفال حتى كادت أن تُشكّل غيرة لدى الكثير من المبدعين، ولاسيما في فنون التشكيل على سبيل المثال، إذ تزداد رؤى اللوحة، بقدر ما تبعث فيها من ذهنية طفلية، حتى كادت العفوية القريبة من الاشتغال الطفلي أن تُشكّل ميلاً لعدد من الفنانين التشكيليين..!!، ويُمكن أن نُشير كذلك إلى ندرة حتى بالفنيين من ممثلين ومخرجين ومهندسي ديكور، بل وحتى في توافر الخشبة المسرحية التي تُليق بأن يجلس مقابلها الأطفال بصورة صحية ولاسيما خارج مدينة دمشق..

ويجمع عدد من العاملين في المسرح الطفلي؛ على أن أزمة هذا المسرح تكاد تكمن في “النص” إذ إنه وعلى الرغم من مرور عقود طويلة من السنين على دوران عجلة مسرح الأطفال، لا تزال أزمته الأولى هي “النص” وتحديداً ندرة النص المحلي الجيد.. هل لهذه الأسباب يا ترى، لا تزال العروض المسرحية هي ذاتها تعرض في مختلف المهرجانات المسرحية التي تُقام لأجل الأطفال.. والغريب أنه في كل الندوات والحوارات التي تعقد للنقاش في أزمة مسرح الطفل في سورية، تكون الدهشة أن جميع المنتدين والمتحاورين يضعون يدهم على “الجرح” على الأزمة الرئيسة والأزمات الفرعية، أو المتفرعة عنها، ومع ذلك لا تزال “الأزمة، أو الأزمات مستمرة، ما شاء لها القائمون على المسرح استمرارها، ويبدو أن مشيئتهم لهذا الاستمرار طويلة جداً..!!

الكلُّ يعرف الحل

والمدهش في أمر مسرح الأطفال، أن الجهات التي تتشدق بأمر الارتقاء بمسرح الأطفال يقع على عاتق، أكثر من جهة: منظمة طلائع البعث، مديرية ثقافة الطفل في وزارة الثقافة، مسرح العرائس، مديرية المسارح والموسيقا، اتحاد الكُتّاب العرب، وحتى تكتمل الدهشة، ثمة مديرية بكامل لياقتها من موظفين ورواتب وأذونات سفر ومهمات في وزارة التربية تدعي، مديرية مسرح الطفل، مع ذلك، ومع كلِّ هذه الكثرة، الأزمة لا تزال مستمرة، مع إن الحل قد يبدو بسيطاً بقدر ما يبدو عصيّاً، ذلك أن تلك الدوائر التي تدعي أن على عاتقها تقع مهمة الارتقاء بمسرح الأطفال، وبقدر ما يفترض أن تجد هي الحل، بقدر ما هي نفسها تُشكّلُّ سبباً كبيراً في المشكلة واستمرار الأزمة..!! ببساطة نتاجهم، ليس في مجال الكتابة لمسرح الأطفال وحسب، بل للكتابة في الفنون الإبداعية كلها، مسرح، سينما، دراما، زوايا صحفية، إذ يبدو أن تلك “المجموعات” و “الدوائر” ارتاحت على توزيع الغنائم واطمأنت، حتى وهم يتحدثون عن أزمة المسرح يقبضون أموالاً..!!

في زمن الحرب

ومن المُفيد أن نذكر أنّ جمهور المسرح الطّفلي؛ هم الأطفال دون سنّ السّادسة الذين يصطحبهم أهلهم معهم، أمّا ما فوق، فهؤلاء لا يهمهم أن يحضروا مسرحاً، ومن ثم فإنّ المُهمة الأولى اليوم تقع على وزارة التربية بالدرجة الأولى ولاسيما بمديريتها (المسرح المدرسي)، من خلال تنشيطه ورفده بالكفاءات من المعهد العالي للفنون المسرحية، وأن تكون في كل مدرسة ورشة مسرحية تُقام من خلالها الأنشطة المسرحية على اختلاف أشكالها، وأنواعها من عروض مسرحية.. ومن المُفيد أن نذكر أيضاً؛ أن ثمة من يرى، أنهم لو يتركوا أمر الأطفال لشأنهم، كي يقدموا هم ما يرونه مناسباً، من أجناس إبداعية مختلفة، وأن يقدموا لهم الدعم المادي فقط من أموال وأمكنة؛ – ربما- لكانت حُلت كل الأزمات، وهذا غاستون باشلار يؤكد هذه الحقيقة: لا تستهينوا بوعي الأطفال.. واليوم؛ فإنّ الحديث عن المسرح الطفلي يختلف عنه في السّابق، ذاك أنّنا نتحدث عن طفل ولد وتربّى في زمن الحرب، وعانى الفقد والجوع والتّهجير والنّزوح، ونضيف إلى كل ما تقدم؛ أزمة اقتصادية تحول دون تأمين أساسيات الحياة، ما يعني أن حضور عرض مسرح الأطفال أمر ثانوي، بل ربّما خارج نطاق تفكير الكثير من الأسر السّورية…

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار