التقنين يعيدنا إلى حياة بدائية..!
يسرى ديب:
لا تُحدث الأخبار التي يؤكدها بعض المسؤولين عن وصول ناقلات من النفط أيّ تغيير.. وانتظار التحسن الموعود في الكهرباء, بل إن الأغلبية بدأت تعمل على إيجاد حلول بمفردها للعيش من دون كهرباء، بعدما تبين أن الوعود التي يطلقها البعض ليست سوى مخدر لتمرير الزمن مع العيش بكل ذاك الظلام والتقشف, غياب الكهرباء الطويل فرض إيقاعاً جديداً على حياة الأغلبية، وربما في قائمة التغيير موضوع الطعام وكيفية إعداد الوجبات بعدما ركنت «البرادات» على جنب.
وهذا فرض عليهم إعداد الوجبات اليومية بما يكفي لكل يوم، لكيلا يضطروا إلى إتلاف ما يتبقى من الطعام مع توقف عمل «البرادات» في المنازل.
“تراجعت كثيراً”
تغيرت عادات التسوق، وتقلصت الكميات التي كان يتم شراؤها.
تقول صاحبة مزرعة أبقار في محافظة اللاذقية: إن مبيعاتها اليومية من الحليب تراجعت إلى النصف، لأن من كان يشتري عشرة كيلوغرامات من الحليب أصبح يكتفي بنصفها أو أقل، لكيلا تفسد خارج «البرادات».
تعيش تلك الأسرة من عوائد بيع الحليب الذي تنتجه من مزرعة الأبقار خلال العقود الماضية، وتؤكد أنهم يفكرون كما الكثير غيرهم من المربين بالتخلص من الأبقار لديهم، ليس بسبب ارتفاع تكاليف تربيتها فقط، وإنما بسبب تراجع البيع مع برنامج تقنين يعد الأشد في المناطق الساحلية.
حيث يمكن أن تمر أيام لا يرون فيها الكهرباء أكثر من نصف ساعة متقطعة لا تكفي لشحن جوالاتهم..
أعباء إضافية
خروج البراد من اليوميات رفع من تكاليف المعيشة المرتفعة أصلاً، وأصبحت عليهم أعباء جديدة وهي: تأمين المحروقات لإعداد الوجبات اليومية، وليس الطبخ لأكثر من يوم كما درجت العادة, وأصبحوا يتسوقون كميات أقل عوضاً عن الشراء بالجملة، لتحقيق بعض الوفر.
«وصل إلى المشافي»
في كل يوم تتفاقم مشكلة تأمين الطاقة، حيث يشتد النقص في الكثير من الأحيان ليصل التقنين إلى المشافي والمراكز الحكومية، خاصة مع نقص في المحروقات المطلوبة لتشغيل المولدات خلال فترات التقنين.
وتقلصت مخصصات الكثير من المؤسسات من مادة المازوت، وأصبح التزام مؤسسة إعلامية بالتقنين النظامي يشعل عملها برغم أنها تقع في أحد أحياء دمشق العريقة، لكنها تبقى غارقة في الظلام طوال ساعات التقنين.!
«بلا ماء أيضاً»
أما المشكلة الأكثر صعوبة فهي موضوع المياه، حيث إن انقطاع الكهرباء يحول دون إمكانية ضخ الماء سواء من الخزانات الكبيرة إلى الحارات والشوارع، أو من الآبار أو المولدات إلى خزانات البيوت، بحيث تقضي الكثير من القرى أياماً طويلة بلا ماء كما أنها بلا كهرباء أصلاً.
وزير الموارد المائية تمام رعد أكد في أحد تصريحاته أن هناك تنسيقاً بين وزارة الموارد المائية ووزارة الكهرباء لحل موضوع استمرار ضخ الآبار، وأشار إلى أن هناك أكثر من 64 محطة ضخ معفاة من التقنين، وأن هناك خطة لتشغيل الآبار على الطاقة البديلة، وأنه تم وضع 31 بئر ماء على الطاقة البديلة، و23 بئراً قيد التنفيذ، وأنه تم إعفاء آبار جرمانا بأكملها من التقنين.
بلا تغطية
تتراجع التغطية كثيراً في مجال الاتصالات أيضاً، حتى أنها تغيب تماماً عن الكثير من المناطق بسبب انقطاع الكهرباء الطويل عن بطاريات محطات البث لشركتي “سيرتيل” و”أم تي إن” بسبب عدم حصولها على حاجتها من الطاقة.
وقد أعاد وزير الاتصالات إياد الخطيب أسباب تدني الخدمة إلى نقص الطاقة، وذلك في أحد لقاءاته الصحفية.
وبين أنه تم التفاوض مع وزارة الكهرباء للحصول على مخصصات أكبر أكثر من مرة.
«لا مراوح ولا تكييف»
وسط مشاكل العيش مع الأساسيات من دون كهرباء يصبح الحديث عن غياب أي نوع من وسائل الرفاهية أشبه بالنكتة، كالحاجة إلى المراوح أو المكيفات، وعلى الأغلبية العيش تحت رحمة الطقس الحارق صيفاً، والبرد القارس شتاءً.
لم يعد المسؤولون يتحرجون من ظاهرة التقنين لساعات طويلة جداً، ولم يعد يشكل لهم الحنث بالوعود أي إحراج، فهناك عنوان عريض تندرج تحته كل القضايا وهو العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي تحول دون إمكانية تأمين المواد اللازمة لتوليد الكهرباء..
ولا يفوت المعنيون أي فرصة للحديث عن بيع الكهرباء بأقل من تكلفتها، حيث أكد وزير الكهرباء غسان الزامل في أكثر من مرة أن تكلفة الكيلو وات ساعي من الكهرباء وصلت إلى 600 ليرة بعد ارتفاع أسعار المحروقات، بينما سعر مبيعها للمواطنين لا يتجاوز 34 ليرة ما بين صناعي وتجاري ومنزلي!
وتشير إحصاءات وزارة الكهرباء إلى أن حاجة البلاد من الكهرباء تصل إلى 7 آلاف ميغاوات، بينما المتاح لا يغطي نسبة 25% من الحاجة، وما ينتج لا يتجاوز 2500 ميغاوات ساعي.
لا تكفيهم
وقد سبق لوزير الطاقة اللبناني وليد فياض أن صرح لـ«تشرين» عقب بحث موضوع خط الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية أن لبنان لا يستورد الكهرباء من سورية، لأن سورية تعاني مثل لبنان بسبب نقص الفيول والغاز, وقال: إن إنتاج سورية لا يتجاوز 3 آلاف ميغا وات، بينما الحاجة إلى 10 آلاف ميغا.