مطاردة أمريكية- فرنسية- أوروبية فاشلة لزيارة لافروف إلى إفريقيا
ميشيل كلاغاصي:
يا لها من مطاردة قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيث لاحق الوزير لافروف في جولته الإفريقية بزيارةٍ مماثلة ، كردة فعل وبطريقةٍ تفضح امتعاضه من وجود الوزير الروسي في القارة السوداء ، وهي التي يعدها الفرنسيون ملكية خاصة لنفوذهم عبر عقود طويلة تمتد لأزمنة الاستعمار القديم . كذلك أثارت الزيارة حماسة رئيس الدبلوماسية الأوروبية ، جوزيب بوريل ، ودهشته لحجم النفوذ الروسي بما يفوق النفوذ الأوروبي في إفريقيا , في وقتٍ اعتبر فيه “البنتاغون” أن الوجود الروسي يشكل تحدياً رئيسياً لمصالح الولايات المتحدة في إفريقيا.
لم يكتف الرئيس الفرنسي بزيارة – الملاحقة – بل حاول التأثير على نتائج جولة لافروف ، وتحدث في مؤتمرٍ صحفي في بنين واتهم موسكو بسعيها لتحقيق أهداف مختلطة “باستخدام المعلومات والطاقة والغذاء كسلاح , واستفاض بالشرح ، مؤكداً ” أن الوجود الروسي المختلط في إفريقيا لا يبدو تعاوناً بقدر ما هو تواطؤ مع السلطات السياسية الضعيفة ،وهذا أمرٌ مقلق”.
من خلال تكامل الأدوار , في استهداف زيارة لافروف إلى إفريقيا , تحدث بوريل عن أن الهدف الروسي من الزيارة هو “إقناع الأفارقة بمسؤولية العقوبات الأوروبية” عن كل ما يحصل وينشر في الإعلام الغربي , وقوله: “سأذهب إلى إفريقيا لأقول عكس ذلك”.
لم يبدِ كل من الرئيس ماكرون وصديقه بوريل , أهميةً للمشكلات والأزمات التي تعاني منها الكاميرون , من تهديدٍ إرهابي وإنفصالي , وصبا اهتمامهما على الدور الروسي في إفريقيا , ولينتقد ماكرون رفض قادة الدول الإفريقية العقوبات على روسيا .
من الواضح أن ضعف ماكرون وغطرسته جعلاه يتجاهل إدراك الدول الإفريقية الأسباب الجوهرية للخلل السياسي العالمي ، عبر تمسك الغرب بالأحادية القطبية كحق حصري للولايات المتحدة ، وبالقيادة والسيطرة الفرنسية الكاملة على المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا .
لقد أغفل ماكرون والأمريكيون بوريل ، الإستياء الإفريقي من الدور الفرنسي السابق ، ورغبتهم بمنع استمراره وامتداده نحو مستقبلهم , وأنهم أصبحوا أكثر انتقائية في اختيار شركائهم كالروس والصينيين , لتجاوز الأزمات والصعوبات التي تمر بها أغلبية دول القارة السمراء , ناهيك بالمراقبة الإفريقية لتراجع الدور الفرنسي في إفريقيا وأوروبا والعالم , واضطرار فرنسا المتاّمرة على مالي للخروج والفرار منها , وحلول القوات الروسية مكانها لمساعدتهم في الحرب على الإرهاب والإرهابيين الذين دعمتهم فرنسا هناك , وسط ترحيب عدد من الدول الإفريقية بجهود المستشارين العسكريين الروس.
تعتقد باريس أن موسكو تحاول القضاء على الوجود والنفوذ الفرنسي في إفريقيا , لكنها لا تنظر إلى الخلف وترى قذارة أفعالها وسلوكها اللصوصي المشين بحق الدول والشعوب الإفريقية التي مازالت تستعمرها , تحت عناوين لفظية , لا تغير من الواقع والنتائج . في الوقت الذي تحدث فيه الوزير لافروف خلال لقائه مع قادة جمهورية الكونغو ونظيره الإثيوبي , عن “التقاليد الروسية الجيدة للتعاون العسكري والتقني , ومراعاة مصالح أصدقائنا الإثيوبيين في ضمان قدراتنا الدفاعية” , تلك القدرات التي سبق لروسيا أن قدمتها العام الماضي من خلال تعاونها العسكري مع نيجيريا , وإثيوبيا التي زودتها بالأسلحة الأستراتيجية لدعم الحكومة لمواجهة الانفصاليين في تيغراي ، ناهيك بالدعم الذي تقدمه لمصر بهدف انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس بلاس.
من المهم النجاح الذي حققته زيارة الوزير لافروف , على الرغم من جهود ماكرون وبوريل لإفشالها , ومهدت الطريق أمام لقاء الرئيس فلاديمير بوتين القادم مع قادة أفارقة , كرئيس الاتحاد الإفريقي , ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي , لمناقشة الحلول لأزمات الغذاء والحبوب ، على غرار الحل الروسي بالوساطة التركية في أوكرانيا.
لا يمكن النظر للاهتمام الروسي بالقارة الإفريقية على أنه تحد للمصالح الأمريكية والفرنسية وغيرها ،فأغلبية دول العالم تتجه أنظارها نحو القارة السمراء ، كروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وتركيا وعدد من الدول العربية ، وتنظر إليها بنظرة مستقبلية وبامتلاكها الحظوظ والفرص لتكون منطقةً عالمية رئيسية.
يبدو أن تراجع الدور والنفوذ الفرنسي ، والأوروبي عموماً ، في إفريقيا ، لا يشكل بحد ذاته مناسبة لتهديد المصالح الأمريكية وحلفائها ، وأنه يأتي في سياق الأخطاء الاستراتيجية الجسيمة التي انتهجها البيت الأبيض والأوروبيون هناك ، ناهيك باإنقياد الحكومات الأوروبية الأعمى وراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، وانتهى بهم المطاف لانتظار نهاية الحرب في أوكرانيا ، التي جعلتهم ينالون نصيبهم من لفحات “الحر” ، وعيونهم شاخصة على تفادي برد الشتاء القادم.