“سنّان السكاكين”.. أحد أعمدة التراث والعادات التي لا تنسى وتمحى من ذاكرة أبناء “حوران”
هيثم علي
القرى والحارات كانت ساحات وأماكن لجلخ السكاكين، هذه المهنة جلخ الأدوات القديمة تعد مهنة فلكلورية متجددة، كان “المجلّخ ” يتجول في القرى منادياً “مجلّخ مواس”، وعند سماع صوته يخرج الأهالي وهم يحملون سكاكينهم ومقصاتهم بعدما صدئت وتآكلت؛ فيقوم بسنّها مقابل أجر قليل أو كيل من الطحين والبيض البلدي.
يقول شعبان الخليل الذي يبلغ من العمر سبعين عاماً أحد أقدم مجلخي السكاكين في “حوران” : كانت هذه المهنة سابقاً تعتمد على تنقل المجلخ بين الأحياء الشعبية حاملاً حجراً دائريا منصوباً على قاعدة خشبية متصلة بدولاب صغير، حيث كان يقوم بالعمل يدوياً، وكان المجلخ يتجول في القرى والبلدات منادياً بصوته: “سنّ السكاكين، سنّ المقص، سنّ مناجل”، وعند سماع صوته يخرج الأهالي نساء وأطفالاً يحملون أدواتهم من سكاكين ومقصات تحتاج إلى جلخ، بعد أن تثلمت وأصبحت مزعجة في الاستعمال، أي لا تقطع أو تقص بسهولة، فيقوم “السنان أو المجلخ” بسنّها مقابل أجر عادي وقليل، وربما مقابل كيل طحين أو عدة بيضات بلدية أو مدّ من القمح، واليوم انتقلت المهنة إلى مرحلة جديدة بعد افتتاح المحال التي تستخدم فيها الأدوات الكهربائية الحديثة.
وتحتاج هذه المهنة حسب قول الخليل إلى المهارة والدقة والحذر في التعامل مع الآلات الحادة، وميزات الأدوات الكهربائية الجديدة على “مجلخ” السكاكين أنها وفرت عليه الجهد والوقت والتعب والتجوال في المناطق والقرى، بعد أن كانت تتطلب أن يكون المجلخ يتميز بقوة جسمانية وجهد بدني، لأنه كان يقوم بإدارة حجر الجلخ من خلال قدمه التي تحرك العجلة، إلا أنها مهنة ما زالت تحتاج إلى جهد بدني وجسم قوي ليستطيع تحريك الأدوات.
لا تعدّ هذه المهنة من المهن البسيطة، يتابع احمد بجبوج أحد كبار السن في مدينة “درعا” بالقول: تحتاج هذه المهنة إلى المهارة والدقة والحذر في التعامل مع الأدوات الحادة.
ويقول أحمد الجاموس أحد سكان مدينة داعل المتقدمين بالسنّ: سنّان السكاكين الذي يقوم بسنّ جميع الآلات الحادة، كان أحد أعمدة التراث والعادات التي لا تنسى وتمحى من ذاكرة أبناء “حوران”، وبقيت هذه المهنة قائمة على الرغم من قلة المقبلين عليها طوال السنين، حيث كان ومازال في كل منزل في ريف وقرى “حوران” سكين واحدة تسمى “خوصة” تستخدم لكل شيء، فقد تستخدم لذبح الحيوانات والطيور بكل أنواعها أثناء إقامة الولائم واستقبال الضيوف، لأنه لم يكن هناك محال تقدم المأكولات الحديثة، وقد تستخدم في تقطيع النباتات التي يتم تخزينها للمؤونة مثل القرع وغيره، وقد تستخدم هذه “الخوصة” في قطع أغصان الأشجار المستقيمة لعمل العصي بأنواعها، وتستخدم أيضاً في قطع وخلع النباتات البرية التي تؤكل مثل: “الخبيزة، والجعدة، والخرفيش، والعكوب”.
لهذا، فإن الاستعمال المتكرر لهذه “الخوصة” يجعل من الصعب العمل بها، وعليه لا بد من سنّها بين مدة وأخرى كي تعود سهلة الاستعمال، وحالياً قلة قليلة تستخدم وترغب بسنّ السكاكين وإعادتها إلى الخدمة كما اعتادوا في الماضي، إلا القليل ممن يمتلكون ما يعدّونه قطعاً نادرة سواء كانت سكاكين مطبخ أو مقصات أو غيرها.
بينما يروي عوض الصالح من “ريف درعا” ما تحتفظ به ذاكرته عن المجلخ بالقول: كان سنّان السكاكين يحمل عدته على ظهره ويصيح في طرقات القرية وحاراتها: “مسنّن ومجلّخ سكاكين”، ويكون الأطفال وراءه يرددون كلماته فرحين بتجواله في القرية، يحمل آلته البدائية على كتفه؛ التي تتكون من حجر بازلتي ودولاب مربوطين بقشاط، وعندما يريد تشغيلها يقوم بالضغط على خشبة، فتحرك العجلة والعجلة تحرك الحجر البازلتي، ويضع حافة السكين على هذا الحجر المتحرك، فيأخذ الحجر من سمكها ثم يقلبها على الجهة التالية، ويقوم بسنّها والتقليل منها لتخرج السكين حادة.