التنافس على القارة السمراء
ترجمة وتحرير: راشيل الذيب
ما تزال إفريقيا في قلب الحرب الباردة في القرن الحادي والعشرين، حيث يتنافس قادة ومسؤولون من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة على النفوذ على 1.3 مليار شخص يعيشون داخل 55 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي.
موسكو تطمئن شركائها الأفارقة، حيث قدمت الجولة الإفريقية التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (تغطي 13 ألف كيلومتر في خمسة أيام) بصيص أمل للقارة المهددة بـ”أخطر أزمة غذائية” في هذا العقد، وتعكس محاولات روسيا لطمأنة شركائها الأفارقة، فقد شدد لافروف خلال جولته على أن مصدري الحبوب الروس سيحترمون جميع الالتزامات، وخاصة الاتفاق الذي تم توقيعه في اسطنبول تحت رعاية الأمم المتحدة بين الجانبين الروسي والأوكراني، والذي يسمح بنقل 20 إلى 25 مليون طن من الحبوب العالقة في أوكرانيا لمدة ستة أشهر عبر ممرات آمنة، وتسهيل الصادرات الزراعية الروسية.
بالنسبة للبلدان الإفريقية، فإن المخاطر كبيرة: تخشى مصر التي تستورد 80% من قمحها من روسيا وأوكرانيا من أعمال شغب بسبب الغذاء. ورغم اختلاف هذه النسبة بين دولة وأخرى، لكن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة يعرض ملايين الأسر في القارة للخطر. ومن جهة ثانية، فإن الأسمدة الروسية كانت تحت الحظر إلى أن تم توقيع الاتفاق، ومع ذلك، قد تواجه دول غرب إفريقيا عجزاً قدره 20 مليون طن من الحبوب في حصاد عام 2022 في حال تعذر الوصول إلى هذه الأسمدة.
لا شك أن جولة لافروف تشكل أيضاً جزءاً من إستراتيجية الاتصال التي تتبعها موسكو منذ سنوات، وتقدم نفسها من خلالها كبديل للدول الغربية، وهنا نذكّر أن 17 دولة إفريقية امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن في 2 آذار الماضي على قرار يدين العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ما يعكس تحدياً للغرب وميلاً نحو روسيا.
*روسيا وشركاء جدد
روسيا حاضرة في المجال الأمني في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى على وجه الخصوص، وتحاول تعزيز نفوذها ونطاقها ليشمل مناطق وقطاعات أخرى في إفريقيا. إذ أبرمت مع مصر، على سبيل المثال، اتفاقاً لبناء محطة طاقة نووية تضم أربعة مفاعلات لصالح شركة “روساتوم” الروسية للطاقة النووية، وفي جمهورية الكونغو تعمل شركة روسية أخرى على بناء خط أنابيب نفط رئيسي لجلب النفط من مدينة بوانت نوار شمال البلاد.
وفي هذا السياق، يقول خبراء: “في مواجهة العقوبات المفروضة عليها، يتوجب على روسيا أن تجد شركاء جدد.. ورسالتها إلى الغرب واضحة: من الآن فصاعداً، لن يكون التزامها في إفريقيا تجميلياً كما كان قبل عشر سنوات، لكنها ستصبح جزءاً من إستراتيجيتها في السياسة الخارجية على المدى الطويل.
*علاقات متفاقمة مع واشنطن
تسعى العديد من القوى الجيوسياسية إلى تعزيز نفوذها وتعاونها مع قارة إفريقيا، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سيستضيف قمة مع القادة الأفارقة في البيت الأبيض في كانون الأول المقبل. ويأتي هذا الإعلان في أعقاب العديد من التطورات السياسية المهمة التي كشفت التوجه غير الفعال للسياسة الخارجية الأمريكية، كامتناع دول إفريقية عن التصويت لصالح قرار يدين موسكو في مجلس الأمن، وعدم إصدار تصريحات تدعم البرنامج الحربي للولايات المتحدة، وما يزيد من تفاقم هذه العلاقات المعقدة اعتماد العديد من دول الاتحاد الإفريقي على المنتجات الزراعية والمدخلات الروسية والأوكرانية، علماً أن فرض عقوبات من إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي على موسكو أدى إلى إعاقة تدفق السلع والخدمات.
وفي السياق نفسه، فقد أكد بيان الاتحاد الإفريقي الذي صدر في أعقاب زيارة رفيعة المستوى إلى موسكو أن المنظمة ترى ضرورة وجوب انتهاء الأزمة في أوكرانيا دبلوماسياً من خلال المفاوضات، ما جاء مخالفاً لنهج إدارة بايدن التي أعلنت صراحة أنها تريد عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من السلطة وإضعاف روسيا كقوة عالمية.
من جانبه قال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في مؤتمر صحفي مع لافروف: إن أعداء الولايات المتحدة ليسوا أعداء حكومته. وأشار إلى أن أوغندا تريد التجارة مع الولايات المتحدة وروسيا وأي دولة أخرى تحترم استقلالها وسيادتها.
بينما أكد المبعوث الروسي أن موسكو دعمت إفريقيا على الدوام في كفاحها ضد الاستعمار.
*فرنسا تحاول استعادة المصداقية المفقودة
بالتزامن مع جولة لافروف بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جولة إلى إفريقيا.
وكانت فرنسا تعرضت لانتقادات في الأشهر الأخيرة بسبب وجودها العسكري في عدة دول من بينها جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، وقد ثبت أن العداء المتزايد تجاه باريس داخل مستعمراتها السابقة في القارة مثير للقلق بالنسبة لحكومة ماكرون، حيث طُلب من العسكريين والدبلوماسيين الفرنسيين في مالي مغادرة البلاد على الفور.
علماً أن فرنسا حافظت على وجود عسكري في العديد من مستعمراتها السابقة منذ الستينيات، وقد تدخلت هذه القوى في الصراعات السياسية الداخلية بطريقة تخدم فرنسا وليس بالضرورة الدول الإفريقية المعنية.
في السنوات الأخيرة، حاولت فرنسا تعزيز هيمنتها على العملات في منطقة الفرنك الإفريقي CFA لدرجة اقتراح نظام نقدي جديد من شأنه أن يحافظ على الروابط مع باريس.
علاوة على ذلك، أصبح من الضروري لماكرون، في أعقاب طرد الدبلوماسيين والعسكريين الفرنسيين من مالي، أن يطبق نهجاً جديداً وأكثر “تعاطفاً” ظاهرياً تجاه مختلف الدول الإفريقية. وفي الواقع يتعارض هذا التحول السطحي في السياسة مع تصريحات ماكرون التي سبقت الذكرى الستين لاستقلال الجزائر عندما زعم أن الحكومات المتعاقبة في الجزائر بالغت في الفظائع التي ارتكبها المسؤولون الاستعماريون في الجزائر.
عن موقعي «لا موند» و«غلوبال ريسيرش»