سباق محموم نحو القارة السمراء ماكرون عاد بخفي حنين.. ولافروف يدشن مرحلة أكثر تقدماً
مها سلطان
لا يجوز الاعتقاد، ولا بأي حال، أنه بالإمكان وضع جولتي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والرئيس الفرنسي ماكرون إلى إفريقيا في الكفة ذاتها.. التزامن في التوقيت لا يعني التنافس، أو أن هناك سباقاً روسياً- فرنسياً (أوروبياً) على إفريقيا.. فالتنافس والتسابق كانا في مرحلة سابقة.
واقع الحال اليوم يقول إن روسيا في المقدمة، فرنسا (وقريناتها الأوروبيات) تحاول اللحاق بروسيا من دون جدوى، فيما الولايات المتحدة تراقب خطوات لافروف الواثقة، منتظرة انتهاء جولته لترسل مبعوثها الخاص مايك هامر إلى المنطقة مُستطلعاً ما حدث.
لقد سرق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأضواء في جولته الإفريقية التي شملت أربع دول، بدأت في مصر ثم الكونغو، أوغندا، واختتمها في إثيوبيا ، التي التقى فيها سفراء عدة دول إفريقية .
ومن المقرر أن يتوجه من إثيوبيا إلى أوزبكستان.
بالتزامن كانت جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي شملت ثلاث دول إفريقية (الكاميرون، وبنين، وغينيا بيساو) جولة باهتة فاترة، يُظللها سواد ماضي استعماري رهيب، وتوق هذه الدول، وغيرها، للخروج من هذا الماضي وتسلطه المستمر عليها، باتجاه مستقبل واعد تفتح روسيا أبوابه على قواعد الاحترام والثقة والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.
التزامن هنا لا يبدو أنه كان مسعىً روسياً بقدر ما كان فرنسياً بثلاثة أهداف: أولاً رسالة لروسيا بأن فرنسا (والأوروبيين) لم ولن يغادروا إفريقيا ويتركوها بخيراتها وثرواتها الهائلة لروسيا (والصين).
والثاني محاولة التخفيف من «وهج» جولات لافروف وزياراته في إفريقيا (ومنطقتنا) حتى لا يبدو وكأن روسيا أزاحت الجميع.
والثالث محاولة تحذير الدول الإفريقية من مغبة تغيير التوجهات والتحالفات.
ما بين الجولتين، حضرت الولايات المتحدة، بشخص مبعوثها مايك هامر، الذي يزور مصر وإثيوبيا ، وتزامنت زيارته للثانية مع اجتماع لافروف مع سفراء دول إفريقية، كما ذكرنا آنفاً، بهدف توسيع المباحثات والاتفاقات باتجاه دول إفريقية أخرى لم تشملها جولته.
زيارة هامر، تحديداً، لمصر وإثيوبيا ، تصب في المسعى الفرنسي نفسه. كان لا بد من تسجيل الحضور، حتى لا تتمكن روسيا الإمساك بالفرصة التاريخية، إذ لم يبق سوى إفريقيا لتقول كلمتها وتعلن على أي جانب ستصطف. اليوم باتت القارة في الواجهة، الجميع يتحدث عن دورها ومكانتها وأهميتها في عالم جديد يتشكل.. لا بد أن يكون لها مساحة أكبر.
يقول لافروف، مشيداً بالقارة السمراء التي «تتعرض لضغوط غربية لم يسبق لها مثيل» للانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا: “إن دور القارة الإفريقية في المفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية سيزداد بشكل كبير.. هذا سيحدث بغض النظر عما يحدث في الغرب.. ونظراً لمصالحنا ومنافعنا الأساسية طويلة الأجل، سوف تزداد أهمية إفريقيا كنتيجة لما يفعله الغرب تجاه روسيا. ”
بكل الأحوال، لن يمضي وقت طويل، ربما بضعة أيام، حتى تبدأ نتائج الجولتين بالظهور، ومعها زيارة هامر، علماً أن كل شيء يجري فوق الطاولة، وبالتالي فإن ما يُنتظر كشفه وظهوره هو ما وصل إليه حجم التقهقر الغربي/الأوروبي/ الأميركي، مقابل التقدم الروسي في قارة توصف بأنها قارة المستقبل.