النفاق الاجتماعي.. مهارة تتقنها مع الوقت والممارسة
بقلم د. وسيم وني / مدير مركز رؤية للدراسات والأبحاث في لبنان
تتفشى العديد من الظواهر السلبية والأوبئة الاجتماعية الخطيرة في مجتمعاتنا, والتي ساهمت بشكل كبير في تغيير مفاهيمنا وقيمنا، ومن أهم هذه المظاهر والأوبئة ظاهرة «النفاق الاجتماعي», ويمكننا تعريف النفاق على أنه حالة من التناقض بين معتقدات المرء ومشاعره المُعلنة وما يظهره للآخرين، حيث تعد المصالح الشخصية هي السبب الأكثر وضوحاً للنفاق، ومن الناحية العملية يعد النفاق أيضاً من السلوكيات الطاغية داخل بيئة العمل، حيث تكون الترقيات والمكافآت والحوافز على المحك، أو عندما يُفترض أن العلاقات الاجتماعية والقبول أكثر أهمية للناس من الكشف عن آرائهم.
عموماً يعدّ الرأي المسيطر والمتفق عليه عند جميع الناس هو أن النفاق هو فشل وانحلال أخلاقي، في الواقع، حيث أنه في الأغلب ما يُنظر إليه على أنه أحد أسوأ الإخفاقات الأخلاقية، ومع ذلك، سنصادف كل يوم ثلة من المنافقين الذين يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر، سنصادف أناساً غير صادقين وأناساً غير أمناء، لكننا بالتأكيد سنصادف أيضاً أناساً عظماء وأشخاص لا ينطقون إلا بالحق وعقولاً نزيهة وعظيمة نسعد بالحديث معها ولقائها.
ما جعلني أتطرق بقلمي لهذه الظاهرة هو السلوك العام للمجتمع فقد ساد «النفاق الاجتماعي» على حياتنا في العمل والعلاقات وحتى في بعض الصداقات، بدأنا نثق بالمظاهر ونهمل الجوهر، نحارب الصدق ونفخر بالأكاذيب، لا نصلح بين الناس، لا نقول الحق عندما يتعارض مع مصالحنا، على “مبدأ الغاية تبرر الوسيلة”، وفوق كل ذلك، تخلينا عن قيمنا الإنسانية والدينية النبيلة التي ميزنا الله بها .
فجميعنا يدرك جيداً أن الكمال لله وحده ولا يوجد إنسان كامل، ولن نكون كاملين أبداً، فنحن نعيش في عالم مبني على الانتقاد ويتم فيه الحكم علينا وانتقادنا بشكل دائم وباستمرار، في مكان نحاول أن نتلاءم فيه، سواء كان ذلك في العمل أو المنزل أو مع العائلة أو في أي مناسبة اجتماعية، مع ما يراه الآخرون مقبولاً وما تجده وسائل التواصل الاجتماعي عصرياً حتى لو أنه يفتقد إلى القيم والأخلاق، فأصبح المجتمع اليوم مجالاً خصباً للنفاق الاجتماعي المتجسد بأشكال عديدة، سواء أكان ذلك من خلال المجاملات المستمرة البعيدة عن الواقع وحسب المصالح والغايات، حيث أصبحت المجاملة عادة اجتماعية يلجأ إليها الناس في معظم علاقاتهم، خاصة في علاقات العمل ومع العائلة ومع كل من يملك القوة والتأثير والمال، فأصبحنا مجتمعاً تحكمه المظاهر فغدت قيمة الإنسان في هذه الأيام تُقاس بالمادة وما يملك، سيقول البعض: إن هناك أوقاتاً وظروفاً لا يكون فيها الصدق والنزاهة هو السياسة الفضلى، وهذا يؤكد أننا نعيش في مجتمع نشجع فيه على الكذب، ومع ذلك نقول: إننا نقدّر الصدق.
ولكن الواقع شيء آخر فما نلمسه في مجتمعنا هو أمر مؤلم ومحزن ومقلق حقاً، فأصبحت المظاهر تخدعنا، ونبتعد عن معالي الأمور، فبات الصدق والأمانة والقيم والأخلاق والإصلاح بين الناس وقول الحق عملة نادرة، والنفاق الآن هو العلامة الاجتماعية الأولى السائدة في علاقاتنا، فأصبح أي شخص يحمل المبادئ الإنسانية مثل الأمانة والنزاهة والأخلاق والصدق والإصلاح بين الناس يعد من وجهة نظر الكثير غريباً ومتمرداً وليس مواكباً لـلعالم أو ما يسمى «موضة النفاق الاجتماعي» المستشرية في مجتمعنا، فبعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي، كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية لديهم بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة.
وأختتم مادتي بتأكيد حاجة الأفراد إلى المصداقية في التعامل وذلك بمحاربة كل أشكال النفاق الاجتماعي بجميع الوسائل المتاحة لكونها ظاهرة تؤجج حدة الاحتقان السياسي على مستوى الفرد والجماعة، وتالياً تفكك التماسك والتضامن الاجتماعي بين أفراد المجتمع من خلال تغليب المصلحة الذاتية على المصالح العامة، فالأخلاق لها دور مهم في تحصين الأجيال من الانزلاق في مستنقع النفاق، والعمل على بناء حياة عصرية قائمة على الصدق والقيم الأخلاقية والإنسانية، وهذا ما يشكل ضمانة لمجتمعاتنا لتطويرها والمحافظة على أبنائها مهما شهدت من تطورات أو حتى أزمات وألا نجعل «النفاق الاجتماعي» مهارة نتقنها مع الوقت والممارسة.