“مرآةُ الشعرِ/ ستائرُ المعنى” إضاءات على شعر ثائر زين الدين
نضال بشارة
جاء كتاب الشاعر وليد العرفي (مرآةُ الشعرِ / ستائرُ المعنى: مقاربة التقنيات الأسلوبية في الشعر السوري) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، انطلاقاً من أن علاقة الشعر والنقد هي علاقة متنامية متعاقبة، كما يقول المؤلف في مقدمة كتابه، إذ ستبقى عجلة الأدب عرجاء في ظل غياب العلاقة بين طرفي العملية الإبداعية، فالنقد نسغ الأدب الذي يمدّه بالحياة ويمنحه التجدد، والنماء، وقد اعتمد المؤلف في دراسته هذه كما يقول، المنهج الوصفي التحليلي في إضاءة التجربة الشعرية للشاعر ثائر زين الدين الذي حاول فيها أن يكشف عن التقنيات الأسلوبية في شعره، وهو ما سعت الدراسة إلى تحقيقه غير منغلقة على التجارب الشعرية الأخرى لدى الرواد خاصة ما كان لها تعالق مع تجربة زين الدين في إطار الفكرة أو النمط التعبيري، في سعي من المؤلف الباحث لربط المنجز الإبداعي، والكلام له، لدى الجيل الجديد مع المنجز الإبداعي لدى جيل الرواد، ما يُسهم في تأكيد أن الإبداع سلسلة متصلة متواصلة، لا انقطاع في سيرورتها الزمانية، وقد سبر المؤلف تجربة في ما أنجزه من مجموعات حتى تاريخ إنجاز دراسته هذه، وفق تسلسلها الزمني: ورد.. لما يجيءُ بعد المساء.. أناشيد السفر المنسي.. في هزيم الريح.. سيدة الفراشات.. ورميت نرجسة عليك.. وردة في عروة الريح.. وهي صادرة بين عامي 1989 و2019.
أنماط وبواعث
وقد درس المؤلف في المبحث الأول: الظاهرة التناصية وأنماط التناص التي شكلت علامة مميزة في الشعر المدروس من حيث الكم والكيف على اختلاف التقنيات والصور التي ورد فيها، وبعد أن أورد تعريفات عدة للتناص عند “جوليا كريستيفا، وجيرار جينت، وباختين، و بارت”، رأى المؤلف: أن التناص حقيقة في الكتابة الإبداعية، لا مجال لنكرانها، أو التغافل عنها، ومن هنا كان اهتمام الدرس الأسلوبي لقضية التناص، لما يمثله من أهمية في تغذية النص المُبدَع، وبما يمدّه من نسغ حياة جديدة، فالتناص في حقيقته هو الجذر الذي يضرب عميقاً في التربة، فيما أغصان النص الجديد تمتد عالياً نحو السماء، غير أن ارتباط الغصن بالجذر يبقى عنصراً فاعلاً من عناصر مدّ النص الجديد بالحيوية والطاقة والحياة. ثم يمضي المؤلف لرصد التناص لدى الشاعر ثائر زين الدين في مجموعته “أناشيد السفر المنسي” لينتقل بعضها لرصده لدى قصيدة لأدونيس وقصيدة للشاعر الراحل وفيق سليطين.. وفي المبحث الثاني توقف المؤلف مع تقنية التكرار في الشعر الحديث، وتتبع أنماطه وبواعثه التي رآها منذ وجد الإنسان وهو محاط بنظام كوني يقوم على مبدأ التكرار والإعادة، وأوضح تجليات ذلك في تكرار الفصول، ثم تتبع هذه التقنية في شعر زين الدين، واهتم المبحث الثالث بظاهرة استخدام الشعر للعدد باختلاف الصور والدلالات في طرائق استخدام العدد (30) ثلاثين، وعرض المؤلف د. العرفي أنموذجات من الشعر السوري الحديث من عند الشعراء ” نزار قباني، أدونيس، ثائر زين الدين” في استخدام العدد (30) ليس بهدف المقارنة، وإنما بهدف الكشف عن مقدرة الشاعر على توظيف العدد في الشعر على الرغم من التنافر الظاهري بين الأرقام كلغة جافة جامدة، ولغة الشعر ذات الألق والطاقات الخلاّقة المُتوثّبة.
التمازج الجمالي
كما تناول المؤلف في المبحث الرابع: ظاهرة السؤال في الشعر الذي شكّل ملمحاً من ملامح البنية التشكيلية في الشعر المدروس سواء ما جاء في العتبات النصية، أم ما كان لبنة من لبنات المعمار الفني للقصيدة، ورصد المؤلف هذه الظاهر لدى الشعراء “مصطفى خضر، علي كنعان، ثائر زين الدين”. وفي المبحث الخامس: درس ظاهرة تسريد الشعر ونهايات القصّ المفتوحة، أي التمازج الجمالي بين أنماط الأدب فيما يسمى بالسرد الشعري أو شعرية السرد. يرصدها المؤلف في ديواني ثائر زين الدين “ورميت نرجسة عليك، وردة في عروة الريح”، ودرس في المبحث السادس: ظاهرة قصيدة الومضة التي تعتمد على التركيز والتكثيف في الصورة الشعرية، وقد تناول المؤلف بشيء من التفصيل، شعر الومضة في ديواني شعر زين الدين ” وردة في عروة الريح، في هزيم الريح”، ثم عرّج خلال ذلك بالإشارة إلى الومضة في ديوان الشاعر عبد الكريم الناعم ” لأقمار الدم”، وتناول المؤلف في المبحث السابع: بنية الصورة وتشكيلها الجمالي في شعر زين الدين، والتقنيات التي استخدمها الشاعر، وفي المبحث الثامن توقف عند ظاهرة النزعة الرومانسية، فكشف عن نمطياتها الأسلوبية التي تبدّتْ ظهوراتها على صعيدي: الموضوعات، وتجلياتها اللغوية. واختتم المؤلف كتابه بالإشارة إلى أن تلك كانت رحلته في دراسة تجربة الشاعر ثائر زين الدين، التي حاول من خلالها أن يسبر أبعادها بما فيها من تعدد أنماط، وما اشتغلت عليه رؤى وموضوعات تنوعت بين ما هو ذاتي وموضوعي، عبر تلاحم لم تنفصل فيه الذات عن الجماعة.
وفي ضوء ذلك نستغرب لماذا لم يكن عنوان الكتاب (مقاربة التقنيات الأسلوبية في الشعر السوري الحديث ثائر زين الدين أنموذجاً) فرغم تعريج المؤلف د. العرفي على تجارب بعض الشعراء السوريين في بعض مباحث الكتاب إلاّ أنه خص تجربة الشاعر زين الدين بجلّ الدراسة، فهل عدم رغبته بإحراج الشاعر الذي كان يشغل منصب المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، أو أن الكتاب بالأصل أطروحة جامعية؟!، وعلى أي حال فالكتاب جهد لائق بتجربة زين الدين ويستحق التقدير.