الثقافة البصرية السريعة تتمرد على المطولات في عصر لا يتوقف عن الركض!
هدى قدور
اكتساح مقاطع الفيديو لمزاج الناس أصبح أمراً واضحاً في الدراما والصحافة والرسائل بين الأشخاص، أصبح مقطع الفيديو يختصر القصة بما فيها وفق قاعدة ما قل ودل، حتى الاتصالات الهاتفية يفضلها المتهاتفون وجهاً لوجه عوضاً عن الكتابة أو إرسال الصوت منفرداً، فالتفاهم بالعين بات أمراً مفروغاً منه، لكنه سيسود على الأرجح في الفترات القادمة بناء على الإحصاءات وأعداد المتابعين الكثر لكل مشهد منظور وقصير، بينما كانوا في السابق مضطرين للاستماع أو القراءة والبحث عن المعاني بين السطور.
في الدراما، أصبحت المسلسلات الطويلة مملة، وأصبح تلفزيون “اليوتيوب” الذي يعالج كل قضية في حلقة قصيرة لا تتجاوز دقائق، هو الشكل المناسب لعصر السرعة، فالمتابعون لم يعودوا يمتلكون الوقت لأكل “البوشار” والاسترخاء أمام الشاشة حتى الحلقة مئة من المسلسلات المكسيكية، بل يريدون اختزال القصة وعدم الاستطالة والإطالة.
التكثيف والاختصار سبق أن سيطر على الكتابة، وانتشرت بسرعة صيغة “البوست” الصغير الذي يعفي القارئ من السرد الطويل الذي يشبه الحشو، كذلك الأمر بالنسبة للموسيقا التي مالت هي الأخرى إلى الأغنيات القصيرة عند المطربين الشباب والجمهور، فهل يمكن أن يؤثر أسلوب الاختصار في الفنون ويقدمها بشكل مفاجئ وغير متوقع في المراحل القادمة؟.
انتشار تلفزيون الإنترنت والشاشات الحديثة، يؤكد أن تغيرات جوهرية ستظهر في أفق الأعمال البصرية، بل إن ذائقة العين ستدخل حتى إلى فنون الكتابة، حيث إن الشعراء باتوا يزودون قصائدهم بفيديو كليب من أجل جذب المتابع الذي يهرب من القراءة، لكنه يشاهد الفيديو، وبالتالي فإن الفنون غير البصرية يمكن أن تعدل من مسارها كلياً كي يتناسب إنتاجها مع الأسلوب الجديد.
يستطيع فيديو واحد أن يجلب ملايين المتابعين على “اليوتيوب” ويضع القناة في مقدمة القائمة التفضيلية التي تخولها قبض أموال الإعلانات في المستقبل، ومن هنا نستطيع أن نفهم حرص النجوم على تأسيس قنواتهم الخاصة وتصوير أنفسهم ضمن فيديوهات يوجهون فيها رسائل إلى الجمهور أن يقوموا بالأعمال الاعتيادية أو الترفيهية، صحيح أن أولئك معظمهم أتى من نجومية التلفزيون سابقاً، لكن تلفزيون اليوم لن يتمكن من صناعة النجوم بسبب عزوف الجمهور عن المتابعة نتيجة تعدد الخيارات، وهذا الأمر ربما يطول السينما وخاصة الأفلام الطويلة التي تتطلب أموالاً كبيرة في الإنتاج وأعداداً كبيرة من الممثلين.
مقاطع الفيديو ستحدث تغيراً في الذائقة والعكس صحيح، وقد ظهرت بوادر تلك التغيرات في تفضيل قنوات “اليوتيوب” للمسلسلات القصيرة ذات الحلقات القليلة والزمن القصير الذي تنافس فيه عمل “اليوتيوبرات” الذين يتكاثرون بشكل هائل يومياً ويتناولون مختلف جوانب الحياة والاهتمامات، عصر السرعة يفرض الكثير من التكثيف، والصورة المتحركة هنا هي الأداة الأهم إلى درجة توقع فيها النقاد انتهاء عصر الفنون بشكلها التقليدي وربما اندماج الكثير منها في فن واحد لأن الناس لم يعد لديها وقت للهدر وأصبحت تفضل الشبكة للوصول إلى الجماليات التي تعنيها، وبالتالي فإن انقراض التلفزيون مسألة وقت وحسب!.