أمران أكدهما بايدن وهو متوجه إلى الشرق الأوسط، الأول، أنه يأتي للمنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية، وخاصة خفض سعر المحروقات، الثاني: أنه صهيوني رغم كونه ليس يهودياً، والأمر المؤكد السابق لما أعلنه الرئيس الأمريكي، هو أن الزيارة جاءت بدعوة أو بطلب إسرائيلي، ورتبت بناء على مقتضيات هذا الطلب، وأثبتت نتائج الزيارة حقيقة كل ذلك، رغم أن سلوك الدول الخليجية والعربية، حاول أن يجعل من الزيارة، خطوة إستراتيجية تأخذ مصالحهم بالحسبان.
ما فات الرئيس الأمريكي، أن العالم والمنطقة العربية، تجاوزت وضعيتها الجيو-سياسية التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي الوضعيات التي ما زالت تتحكم بفكر بايدن وتوجهاته، وهذا ما دفعه في الجلسات السرية والعلنية، أثناء زيارته لمحاولة الإملاء على الدول الخليجية، لزيادة ضخ البترول، ظناً منه وحسب فكره القديم، أن تتم الاستجابة له، بل الإذعان لأوامره، وفوجئ أن الرد كان بوضع مرجعية توازن الأسواق، والالتزام بقرار أوبك بلاس، التي تلعب روسيا دوراً مهماً فيها، وهذا ما أجهض هدفه لتحقيق مصالح بلاده عبر زيادة ضخ البترول والغاز، ليعوض ما تسببت به العقوبات الغربية على روسيا من زيادة الأسعار في أوروبا، وفي القلب الأمريكي، الذي سيحاسب بايدن في الانتخابات النصفية على ذلك.
أما موضوع صهيونيته، واستقتاله على إظهار ولائه لـ”إسرائيل” وأمنها بتأكيد المساعدات المقررة لها، والالتزام بإبقائها متفوقة عسكرياً على المنطقة كلها، وبإضاعته موضوع الدولة الفلسطينية، باستخدام عبارة مضللة اعتمدها لتضييع حل الدولتين، وإلغاء حدود دولة فلسطين المقررة بحدود ما قبل 1967 و إلغاء عاصمتها القدس الشرقية، بالقول عاصمتها (في القدس الشرقية) وكان جلياً رد الدول العربية، ولو بالخطابات للتأكيد على دولة فلسطينية، على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما ضرب أداء بايدن الصهيوني.
أهم ما يمكن اعتباره النتيجة الساطعة لزيارة بايدن إلى المنطقة، أن أمريكا لم تعد القطب الآمر للمنطقة، وأن الدول العربية لم تعد تذعن لطلباتها، وهذه النتيجة تفرض على ساسة واشنطن تعديل إعلانهم القائل إن (أمريكا تعود إلى نفوذها) في المنطقة، ليصبح بشكل يعترف أن (أمريكا لم تعد الوحيدة) في نفوذها، لا في المنطقة، ولا في العالم، فهل يمكن تحديث فكر بايدن بهذه الحقيقة؟ وهل يمكن للعنجهية الأمريكية أن تقتنع بهذه الحقائق؟