ما بين زيارات وقمم بايدن وبوتين في الشرق الأوسط والمنطقة
ميشيل كلاغاصي:
حظيت منطقة الشرق الأوسط مؤخراً باهتمام وتركيز سياسي مكثف , ارتكز أساساً على بنية الصراعات الجيو-سياسية التي اتسمت بطابع عسكري ساخن واقتصادي لا يقل شأناً , بل يحتل المرتبة الثانية بعد الصراع الوجودي والتهديد المباشر لأمن دول المنطقة واستقرارها , وعليه شهدت المنطقة زيارة للرئيس جو بايدن والقمم التي عقدها مع حلفائه , وزيارة للرئيس بوتين إلى طهران والقمة الروسية الإيرانية التركية.
لم تخف كلتا الزيارتين للرئيسين الأمريكي والروسي طبيعة الاختلاف الكبيرين السياسة الخارجية الروسية والأمريكية , في وقتٍ تطلعت فيه الأولى نحو خلق ظروف إنسانية لبناء السلام في المنطقة بما يلبي المتطلبات العالمية ، بينما التزمت الثانية بتعميق النزاعات والمواجهات القائمة والقادمة والمرتبطة بالصراع الأمريكي ضد سورية وعرب المقاومة من جهة , وروسيا والصين وإيران من جهةٍ أخرى.
فقد رصدت كل وسائل الإعلام حول العالم طبيعة الخلاف والاختلاف الفعلي في نهج كلٍ من موسكو وواشنطن , تجاه مشكلات العالم الحالية التي تبين أنها لم تكن لمصلحة جو بايدن , وعكست النفوذ الروسي المتزايد على حساب التراجع الأمريكي , الأمر الذي رصدته صحيفة “وول ستريت جورنال” في 18/تموز , وقيمت زيارة جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية , بأنها لم تكن ضارة بمصالح الولايات المتحدة فحسب ، بل كانت مصدر إحراج كبير للرئيس الأمريكي , وأظهرت عجزه عن إحراز أي تقدم في الملفات الرئيسة التي حملها إلى المنطقة.
كذلك، وفي الوقت ذاته , رصدت وسائل الإعلام النتائج الإيجابية المهمة للقمة خاصة فيما يتعلق بالموضوع السوري ، وإنهاء الحرب الخارجية على سورية , وخروج قوات الاحتلال , وعودة السيادة السورية الكاملة على الأرض والثروات .
لقد أظهرت مواقف كلتا الزيارتين , إصرار واشنطن على استمرار وجودها العسكري غير الشرعي في سورية , في حين جاءت مواقف موسكو وطهران لتدحض اتهامات وأضاليل واشنطن وشيطنتهما , وهما الساعيتان لإيجاد الحلول وتكريس الأمن والاستقرار في سورية والمنطقة , فالبيان المشترك لقمة طهران أكد الالتزام بتعزيز التعاون الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا من أجل تحقيق تطبيع مستدام وقابل للاستمرار في سورية , وعلى حل الأزمة فيها من خلال الدبلوماسية , وبأن يكون الحل سورياً – سورياً , ومن دون تدخل خارجي.
كما أدانت القمة الثلاثية العقوبات المفروضة على سورية والأفعال الأمريكية الشنيعة , وسط رؤية الرئيس بوتين بأنه: “على الولايات المتحدة الكفّ عن نهب ثروات سورية ، وإعادة مناطق شرق الفرات إلى سيطرة الدولة السورية” ، وشدد على ضرورة :”مرور كل المساعدات الإنسانية لسورية عبر الدولة السورية , وعدم تسييس ملف المساعدات الإنسانية , ووقف العقوبات , وتفعيل الالتزام الدولي بإعادة إعمار سورية من دون شروط سياسية.
كذلك ناقشت القمة الثلاثية ما يتعلق بالعملية العسكرية التركية التي يحشد ويهدد بها الرئيس التركي الذي سمع كلاماً إيرانياً يؤكد أنها ستصبّ في مصلحة الإرهابيين .
كذلك اهتمت القمة بعشرات الموضوعات والملفات التي من شأنها تطوير العلاقات الاقتصادية والمشروعات المشتركة الجديدة بين الدول الثلاث , كزيادة التبادل التجاري بين روسيا وإيران بنسبة 40٪ , وتوقيع شركة غازبروم مذكرة تعاون مع شركة النفط الإيرانية شملت العديد من المشروعات تصل قيمتها الإجمالية إلى 40 مليار دولار , إضافة إلى عدد من المشروعات الروسية الإيرانية المشتركة , كإنشاء خط للسكك الحديدية بطول 146 كيلومتراً داخل إيران , وإنشاء ممر نقل يربط روسيا وأذربيجان وإيران بالسكك الحديدية ، ومشروعات قطارات تصل سانت بطرسبرغ بموانئ الخليج العربي ناهيك بالتعاون البيني في مجال الطاقة النووية ، وزيادة التعامل التجاري الثنائي بالعملات الوطنية لكلا البلدين , كذلك سيقوم الجانب التركي بدراسة التخلي عن الدولار في تعاملاته مع روسيا وإيران , كما تطرق اجتماع طهران إلى الأمن الغذائي ، والتعاون النشط بين روسيا وتركيا.
وفي الختام , وعلى مرأى العالم , سادت الأجواء الودية والإيجابية قمة طهران , وكذلك تطرقها إلى الجوانب الإنسانية للقضايا السياسية , والبحث عن استقرار المنطقة أمنياً وسياسياً واقتصادياً , بعيداً أجواء قمم بايدن ومخططات واشنطن العدوانية , وضغوطها التي حاولت فرضها على قادة القمم في المنطقة لكن بايدن عاد خائباً … ويبقى من المهم , تقييم أفعال السلام وقممها , ومقارنتها بقمم تكثيف التآمر والعدوان والتمسك باحتلال أراضي سورية وعدم مغادرة منطقة الشرق الأوسط , وبتهديد كل دولها والإقليم والعالم.