تمرد الأبناء بعد مرحلة المراهقة.. صراعات مع الأهل لا تنتهي
دينا عبد:
ينتاب الأهل حالة من التوتر النفسي والعصبي والقلق بسبب أبنائهم في مرحلة المراهقة وما بعدها، إذ يتعمد الأبناء مضايقة أهاليهم بسلوكهم المتمرد، وعدم خضوعهم لأي نصائح أو قرارات وحتى توجيهات تصب بمصلحتهم، ويصل الأمر عند بعضهم إلى تجاوز حدودهم بطريقة الكلام، ولا يعرفون كيف يتصرفون معهم .
فهم لا يعرفون ما الخطأ الذي ارتكبوه في تربية أبنائهم ، بالرغم من أن بعض الأبناء يكونون أصدقاء لآبائهم ، لكنهم يتغيرون مع عمر المراهقة، وربما يستمر ذلك حتى دخولهم الجامعة، فلا يستمعون إلا لأصدقائهم، أما النصيحة من الأم أو الأب أو الأخ فهي ثقيلة جداً عليهم، ولا يأخذونها بعين الاعتبار.
عزام (رب أسرة) لاحظ أن ابنه تغير منذ دخوله الجامعة، وبات غير مسيطر عليه على الإطلاق، فليس لديه استعداد لسماع أي تعليق من والده على أي تصرف يصدر عنه، وفي كل مرة يحاول أن يدخل في نقاش معه يتحول لجدال عقيم، وليس فيه أي نوع من المنطق، ويتعامل معه بطريقة كأنه “ند” له وليس والده، من دون أي مراعاة للاحترام والحدود.
ويتساءل عن الخطأ الذي قام به وجعل ابنه ينشأ بهذه الخصال والسلوكيات التي يخجل منها، ولا يعرف كيف يسيطر عليها.
اختصاصية التربية هند أحمد تعتبر أن مرحلة المراهقة هي التي يلجأ فيها الأبناء للتمرد والاستقلالية بقراراتهم وأسلوب حياتهم، غير أن النتيجة تعتمد على السلوك التربوي الذي اتبعه الأهل مع الأبناء منذ الصغر، وما غرسوه فيهم من قيم ومبادئ تعد” خطا أحمر ” لا يمكن تجاوزه، فمرحلة المراهقة الوسطى هي التي تأتي بعد مرحلة المراهقة الأولى، حيث يواجهها المراهق عندما ينتقل من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية.
وتضيف أحمد : في سن المراهقة يحدث تغير كبير في سلوك المراهقين نحو والديهم؛ إذ يُصبحون مستقلين بشكل أكبر، ويبدؤون بالانفصال عن شخصيات الوالدين، ويُحاول المراهقون التغيير في مظهرهم وشخصياتهم، مما يولد صراعاً داخلياً لديهم يمكن أن يتحول إلى صراع خارجي مع الوالدين، حيث إن هناك عدة عوامل تلعب دوراً أساسياً في تغير سلوكيات الأبناء تجاه آبائهم وتمردهم عليهم ، فانشغال الوالدين عن تربية الأبناء نتيجة ظروف الحياة الاقتصادية، والتواصل مع أطراف أخرى كالأصدقاء وما شابه، يؤدي إلى الجمود العاطفي الذي يولد حالات من العناد لدى الأبناء.
وتؤكد أحمد أن الطريقة “السلطوية” التي يمارسها الآباء مع الأبناء في أغلب المواقف قد تؤدي إلى آثار سلبية، خاصة في فترة النمو النفسي والانفعالي في مرحلة المراهقة، فتولد لدى الابن توجهات سلبية تجاه والده تؤدي لاحقاً للوصول إلى مرحلة العناد والتمرد، وهي أهم الأسباب التي تؤدي إلى عناد الأبناء، من خلال محاولة الآباء فرض قناعتهم على الأبناء ونمط تفكيرهم.
لذلك لابد من توفير بيئة تسمح بنمو انفعالي ونفسي واجتماعي إيجابي، وذلك من خلال علاقة ودية تقوم على الاحترام والمودة بين جميع أفراد الأسرة، والابتعاد عن السلطوية في العلاقة بين الآباء والأبناء، وتوفير جو يسمح بالتفاعل بينهم والتقرب منهم ومعرفة حاجاتهم واهتماماتهم.
كما ينبغي أن يتم طرح عدة تساؤلات وهي: إلى أي حد أعطت الأسرة الحق للابن كي يتجاوز حدوده؟ وإلى أي مدى خلال التربية زرعت الأسرة المبادئ والأفكار والقيم بحيث لا يتجاوزها الابن ولا يخرج عن حدوده مهما حدث ؟ مبينة أن علاقة الابن بأهله لها خصوصيتها واحترامها الخاص، وتجاوز ذلك الحد يدخل في الانحراف السلوكي، فالضوابط والحدود لابد أن تكون موجودة مهما وصل العالم من تطور، حتى لا تصبح الأمور خارجة على السيطرة، وتالياً سيخلق نوعاً من تدمير العلاقة الاجتماعية التي تربط المجتمع كاملاً كأسرة وأفراد، وما ينتج عنه من إشكالات مستقبلية على الشخصية والعلاقات المستقبلية ويضر بالطابع العام للمجتمع.