سقوط منظومة الحياد واجتماع اللجنة الدستورية السورية القادم ؟
ترتسم في الأفق الاقتصادي العالمي حاليا وتحديدا بعد الحرب الروسية- الأوكرانية- الناتوية معالم تشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد، تجاوزت تداعياتها حدود الدول المتحالفة لتصل إلى الدول التي تصنف نفسها بأنها (محايدة) ، ومن هذه الدول نذكر ( سويسرا والنمسا وكوستاريكا وفنلندا وغانا وإيرلندا واليابان وليختنشتاين ومالطا والمكسيك ومنغوليا ومولدوفا وبنما ورواندا وصربيا وسنغافورة والسويد وتركمانستان وأوزبكستان ] ، وعمليا خرجت بعضها عن مبدأ الحياد وأعلنت مواقفها من الصراع الروسي مع دول الناتو NATO وبالتالي خرجت عن جوهر الحياد الذي يتجلى في عدة مبادئ ومنها [ اعتمادها موقفا محايدا من الصراعات العالمية وعدم الدخول في التحالفات العسكرية وعدم تقديم الدعم المادي والبشري أو اللوجستي لأي طرف من أطراف الصراع أو توقيع اتفاقيات عسكرية لتقوية طرف على طرف آخر ..إلخ ]، ويتجلى هذا بشكل واضح حاليا في سياسة الكثير من هذه الدول فقد أعلنت سويسرا أو الاتحاد السويسري انحيازها للسياسة الغربية ، وبالتالي لم يعد مقبولا أن تكون سويسرا مقصدا لأغلب المؤتمرات الدولية للتقريب بين وجهات نظر الأطراف المختلفة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر اجتماع ( اللجنة الدستورية السورية أو لجنة تعديل الدستور السوري ) التي تجتمع في مدينة ( جنيف) السويسرية ، وأعلن الحزب السويسري الحاكم دعمه للإجراءات الغربية التي تدعم الإرهاب في سورية وغيرها من دول العالم ، ووافق على الإرهاب الاقتصادي الممارس ضد روسيا والصين وغيرهما. وبدا الاندفاع السويسري واضحا من خلال قيام سويسرا بأعمال تتنافى مع مبدأ الحياد وتحديدا على هامش منتدى ( دافوس ) لسنة /2022/ ومنها مثلا [ التعاون مع دول الناتو لتوصيل الأسلحة الغربية إلى الجيش الأوكراني وتقديم الأسلحة من طائرات وأسلحة ومعدات ودبابات وخاصة (دبابات بيرانا )، إضافة لالتزامها بتطبيق العقوبات الغربية على روسيا وغيرها من الدول وهي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وكذلك انتهاجها سياسة دول الاتحاد الأوروبي وخاصة في المجال الاقتصادي، علما أن سويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي لكنها تبنت سياسة الدول المحيطة بها حيث تحدها ألمانيا من الشمال وفرنسا من الغرب وإيطاليا من الجنوب والنمسا وليختنشتاين من الشرق ، وكدليل على ذلك فإنها وقعت أكثر من /120/ اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي وهي أيضا عضو في منظمة ( شنغن ) الخالية من الحدود…إلخ ، ولكن حاليا ومع تمدد حلف الناتو NATO شرقا ومحاولة كل من ( فنلندا والسويد ) الانضمام إليه فإن الحزب الليبرالي السويسري الذي يسيطر على الحكومة السويسرية دعا للالتزام بالسياسة الغربية رغم معارضة حزب المحافظين الذي يدعو للتمسك بالحياد الصارم ، أي إن سويسرا خرجت عن مبادئ الحياد وهذا سيؤثر في موقعها العالمي كوسيط دولي وأيضا على مكانتها الاقتصادية وستزداد نفقاتها العسكرية ويتراجع معدل النمو الاقتصادي لها ومن المتوقع أنه سيتراجع من معدل /3،2%/ سنة /2021/ إلى /2،3%/ سنة /2022/ وسيرتفع معدل التضخم والبطالة الذي تجاوز /3%/ سنة 2021، كما سيؤثر في مكانتها الدولية من الناحية المالية لكونها مركزا ماليا عالميا متميزا وعلى احتياطياتها النقدية وعلى صناعتها المتطورة وخاصة في مجال ( الساعات والأدوية ) حيث تشكل صادراتها أكثر من /34%/ من قيمة ناتجها الإجمالي الكلي.. وهنا تجدر الإشارة إلى تطورها الزراعي حيث يعمل في الزراعة فقط /4%/ من اليد العاملة السويسرية لكنها تؤمن أكثر من /50%/ من احتياجات سويسرا الزراعية ، وخاصة أن كلا من ( روسيا والصين ) أعلنتا معارضتهما للسياسة السويسرية الحالية وأن هذا سيؤثر كثيرا في الاقتصاد السويسري لأن السوقين الروسي والصيني هما من أكبر الأسواق المستقبلة للسلع السويسرية ، فهل هيأت سويسرا الظروف لانهيار معسكر الحياد ؟ ولا سيما أن كل هذه الدلائل تدل على أن نظاما عالميا جديدا يتشكل ويتغير بما فيه مفهوم ( الحياد) وهنا تطرح عدة أسئلة: هل ستبقى مدينة جنيف هي الحاضنة الأكبر والأكثر للمؤتمرات الدولية بما فيها اجتماع اللجنة السورية لتعديل الدستور السوري المستفتى عليه سنة /2012/ والذي حظي بموافقة أكثرية الشعب السوري ؟، وهل ستبقى سويسرا وسيطا دوليا بين دول العالم ؟، أم ستسقط وتنهار كل مقومات الحياد ويبدأ البحث عن منظومة سياسية اقتصادية جديدة ؟ أم سنشهد سقوط حكومات غربية كما حصل في بريطانيا واستقالة ( بوريس جونسون )؟ أم تتشكل تحالفات اقتصادية سياسية عالمية جديدة ..إالخ؟ وسيكون الدور الأساسي للتحالف السوري- الروسي- الإيراني- الصيني وغيره، وتنتهي القطبية الأحادية ويبدأ نظام عالمي جديد أفضل وأكفأ ويتغير مكان اجتماع اللجنة الدستورية السورية ..إلخ ، فكل الاحتمالات مفتوحة على المستقبل وإن غدا لناظره قريب؟.