نصوص بقفازات بيضاء وملاقط معقّمة!
زيد قطريب:
بخبخوا الكحول على الكلمات، ثم علِّقوها بالملاقط على حبال الغسيل، حتى يجفّ المعنى! عقّموا عقولكم جيداً قبل الشروع في الكتابة، فالشوائب تتسلل بين حروف الجرّ والأفعال الناقصة. هكذا ستبدو خلخلة أدونيس للثابت، تواطؤا مع المتحول الغازي، حتى بيت جدّنا المتنبي الذي تسبب بمقتله، سيكون “يباسة راس” من شاعر “الخيل والليل..” الذي كان بإمكانه تلافي المعركة مع قاتله فاتك الأسدي بكلمتين نظيفتين و”تبويس شوارب”.
المحرر الآلي الذي تم اختراعه خصيصاً لكتابة النصوص المعقمة، سيتولى حبك المقالات وتقديمها مع بكرات الشاش والضمادات اللازمة حتى لا تقيّح جراح القارىء الكريم الذي يريد سلته بلا عنب. فلماذا تستثيرون أعشاش الدبابير وتتوهمون أنكم “تقوّمون القتاية”؟.
تاريخياً، تآمر السياب ونازك الملائكمة، على أصوات أقدام الإبل، أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، فكتبا فاتحة الانعطاف الكبير في الشعر. ثم كوّع الماغوط أكثر عندما كتب قصيدة النثر بأوامر من سوزان برنار شخصياً!. فلا تخلخلوا الثابت لأنه بمثابة الدعامات، وشقّوا عصا الطاعة على المتحول، لأنه يهدف إلى إخراجكم من التاريخ، ويسلبكم مساهماتكم في اختراع السيارة والطيارة والكمبيوتر. وفي الأساس لماذا تتعبون أنفسكم في اختراع كل هذه الأشياء؟ استخدموها فقط!.
المرير، أن النصوص المبسترة، تصبح خياراً لإنسان الشوائب الذي دخل نفق الانحطاط بسقوط بغداد عام 1258، ولم يخرج حتى اللحظة! لقد ضاع في الدهليز، وهو اليوم مصاب برهاب أن ينتهي “شحن البيل” داخل النفق المعتم، الذي يريد الخروج منه بكتابات العصر الجاهلي والتكفير والاغتيال على النيّات أو الانتماء الطائفي!. ولأن الفعل الماضي يقول “كنتم خير أمة..” فلا تتعبوا أنفسكم بما ستكونون عليه في المستقبل، فالنفق سيتكفل بذلك، وهولاكو لم يترك لكم سوى الماء الكحلي الداكن في ماء الفرات!.
النصوص المعقمة المسحوب خيرها، تتكفل بحل الموضوع، فاكتفوا بملء الفراغات في الصحف والمجلات وأثير إذاعات “الإف إم” والشاشات، ورددوا دائماً: “السماء صافية والعصافير تزقزق” والبشر يمضون إلى أعمالهم سعداء فخورين باللغة المطهّرة التي حافظت على تغريدهم داخل السرب، حتى لو ذهبت رفوف الطيور نحو الهلاك!. فأعيدوا تعقيم الملاقط، وانحازوا دائماً إلى حروف الجر كي تسحبوا المعاني المستهلكة، ولا تغريكم حروف العطف والشكّ، فالشيطان يكمن في العقل!.