(سويفت).. والبدائل

ترجمة وتحرير: راشيل الذيب

فشل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية، وتقويض مساعيه في حث الدول على الابتعاد عن موسكو، تبشر بنهاية عصر الأحادية القطبية وسط بروز بدائل لنظام «سويفت» المالي، ذراع واشنطن في إخضاع الدول لسياساتها، وفرض العقوبات التي كان أحدثها فصل بنوك روسية عن هذا النظام.

فشل بايدن في تأليب الرياض ضد موسكو. حاول خلال زيارته إلى جدة في 15 تموز الجاري، إقناع شركائه السعوديين بزيادة إنتاج النفط في محاولة لتعويض نقص الإمدادات الروسية وإلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي، لكن على عكس توقعاته، فقد كانت زيارته كارثية تماماً وعكست فشل السياسة الخارجية لإدارته.

كما فشلت مساعي واشنطن في دفع دول شرق أوسطية أخرى لمعاداة موسكو على خلفية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، بما يشمل الإمارات، التي كانت امتنعت عن التصويت على مشروع قرار أمريكي ألباني يدين موسكو في مجلس الأمن في شباط الماضي.

هذه الرحلة إلى الشرق الأوسط أكبر دعوة للاستيقاظ موجهة للولايات المتحدة بأن النظام العالمي أحادي القطب قد انتهى وأن الدول بدأت تتصرف بشكل مستقل تماماً.

(بريكس).. بديل

ولئن كان النظام الدولي أحادي القطب في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وراء معظم مشكلات العالم، ظهرت الحاجة إلى نظام عالمي أكثر عدلاً واستقراراً ويسمح بتعدد الأقطاب، فيما تجسد عملياً في شكل مجموعة «بريكس» وهي تحالف يشمل خمس دول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تمثل اقتصاداتها ما يقارب ربع الاقتصاد العالمي، وتقدم بدائل اقتصادية ومالية وتكنولوجية وأمنية وحتى استراتيجية واضحة لن يقبلها الغرب السياسي أبداً.

في هذا الصدد، فإن القوة العسكرية الروسية والقوة الاقتصادية للصين هما من أكبر التحديات الجيوسياسية التي يواجهها ما يسمى «النظام العالمي القائم على القواعد» ويتجلى هذا التهديد في البديل الذي يمكن لموسكو وبكين تقديمه، وما رحلات الشرق الأوسط التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي جو بايدن إلّا خير دليل ملموس على أي نظام عالمي سيكون أفضل، وبينما فشل بايدن في تحقيق مبتغاه في السعودية، وقع بوتين صفقة غاز ضخمة بقيمة 40 مليار دولار مع إيران، إضافة إلى اتفاقيات أخرى تشمل حذف الدولار من التعاملات التجارية بين روسيا وإيران.

من جانبها، تهدد الولايات المتحدة إيران علانية بحرب أخرى في الشرق الأوسط تحت ذريعة «برنامج إيران النووي» لكن السبب الحقيقي هو بالضبط «بريكس» البديل الذي سيقوض سياسة العقوبات والعدوان والنهب التي ينتهجها الغرب.. بديل ينتشر كالنار في الهشيم إلى البلدان التي أعاق الغرب تنميتها الاجتماعية والاقتصادية.

العقوبات ونتائجها العكسية!

استطاعت موسكو اليوم تعطيل العقوبات التي فرضها الغرب عليها، خاصة فيما يتعلق بمجال الطاقة، فارتفع سعر صرف الروبل بشكل كبير وبرزت أهمية الاقتصاد الروسي في نظر الرأي العام العالمي. وبدلاً من احتساب الخسائر بسبب العقوبات، تقترب موسكو من جني الأرباح.

دفع هذا كلاً من بكين وموسكو إلى التعاون في مجال الطاقة، وخاصة الغاز، وفتح آفاق تحويل المنافسة الاقتصادية إلى تحالف مصالح مشترك لتحقيق منفعة متبادلة، وبالتالي تتوسع فرص البلدين في التحرك نحو إنشاء نظام اقتصادي جديد، تلعب فيه إفريقيا وأمريكا اللاتينية دوراً.

الحظر من «سويفت».. والبدائل!!

عزل بعض المصارف الروسية عن نظام سويفت كان الأخطر في سلسلة العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا في أعقاب العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهي خطوة استعدت لها موسكو منذ سنوات، فانخرطت في العديد من جهود «إزالة الدولرة» التي ارتكزت بقوة على التعاون مع الصين أولاً..

أعطت روسيا الأولوية لاستخدام «الرنمينبي» الصيني في التجارة الدولية وأغراض الدفع. ثانياً.. طورت روسيا المكافئ الخاص بها لنظام التحويل المالي «سويفت» المعروف باسم نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS) الذي طوِر في عام 2014 عندما هددت دول بطرد بعض البنوك الروسية من (سويفت).

في الواقع يمكن نقل الأموال من بنك روسي خاضع للعقوبات إلى بنك روسي غير خاضع للعقوبات عبر(SPFS).. أضف إلى ذلك أن البنوك غير الروسية التي لها فروع في روسيا لا تزال نشطة في (سويفت) ويمكن أيضاً نقل الأموال من بنك خاضع للعقوبات إلى فرع لبنك أجنبي في روسيا عبر شبكة مراسلة محلية.

طورت دول أخرى أنظمة رسائل الدفع الخاصة بها، كالصين التي طورت نظام الدفع الناشئ (الدفع عبر الحدود بالرنمينبي (CIPS) الذي انطلق عام 2015 وعالج نظام معاملات بقيمة 12.68 تريليون دولار في عام 2021، وأفيد أن 1280 مؤسسة مالية في 103 دول ومناطق مرتبطة بهذا النظام.

آفاق التعاون بين (SPFS-CIPS)

تعد الصين أكبر شريك تجاري لروسيا من حيث الصادرات والواردات. في عام 2021 قفزت التجارة الصينية الروسية بأكثر من 30٪ لتصل قيمتها الإجمالية إلى 146.9 مليار دولار، وكذا توسعت التجارة الثنائية بين البلدين بأكثر من 50% منذ عام 2014. من جهة ثانية شكلت التجارة القائمة على الرنمينبي ما يقارب 28% من الصادرات الصينية إلى روسيا في النصف الأول من عام 2021، ويؤخذ بالحسبان أن النسبة العالية من الاحتياطات الأجنبية لروسيا من الرنمينبي واتفاقية المبادلة الثنائية الاستراتيجية مع الصين ستسمح لهذه النسبة بالارتفاع، كما يمكن للبنك المركزي الروسي توظيف 13.1% من احتياطياته – البالغة 77 مليار دولار- المحفوظة بالرنمينبي في تسهيل التجارة الدولية.

والأهم من ذلك، أن عقوبات الاتحاد الأوروبي التي أزالت سبعة مصارف روسية من نظام سويفت بشكل استراتيجي لم تشمل المصارف الروسية التي تتعامل مع المدفوعات المتعلقة بالطاقة، وهنا نذكر أولاً أن روسيا واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، وتشكل صادرات الطاقة أكثر من 25% من إجمالي صادرات البلاد.

ثانياً، إن الاعتماد الغربي على الطاقة الروسية أدى إلى استثناء مصارف مثل «غازبروم» من الحظر، والذي ينفذ مدفوعات النفط والغاز الروسيين .. شريان حياة يمكن لروسيا الاعتماد عليه في الوقت الراهن.

عن مجلة «ذي دبلومانت» وموقعي «غلوبال ريسيرش» و(نيو إيسترن آوتلوك).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار