“سويفت”.. روسيا تهدم المعبد 

مها سلطان 

في الـ16 من تموز الجاري قال مكسيم أوريشكين مساعد الرئيس الروسي: إن روسيا تعمل (مع شركائها) على تعديل نظام التجارة الاقتصادية الخارجية بشكل تختفي معه الحاجة إلى نظام «سويفت/Swift».. موضحاً:«كان العالم كله رهينة النظام المالي الغربي، واعتاد الجميع على ذلك.. لماذا تستخدم روسيا والصين الدولار أو اليورو في الحسابات؟ فقط بحكم العادة، هكذا هو الحال، ولم يفكر أحد في تغييره، ولكن في الوضع الراهن نرى أن التداول والتعامل بالروبل واليوان ينموان بشكل كبير، هذا الأمر يحدث بشكل تدريجي، وسنأتي بالآليات التي من شأنها تبسيط هذه العملية بشكل أكبر»؛ أي عملية المدفوعات والتحويلات المصرفية عبر البنوك العالمية والتي يقوم بها حالية نظام سويفت.

في نيسان 2012 تحدث كلٌّ من ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، في المنحى ذاته ليؤكدا أن روسيا لديها القدرة على إنشاء نظام بديل لنظام سويفت وهي تعمل على ذلك.

المصطلح، أي نظام سويفت، ليس بجديد على الرأي العام كما كان حاله في عام 2012عندما تم شحذه كسيف عقوبات سلطه الغرب الأميركي/الأوروبي على إيران على خلفية ما يسميه «طموحاتها النووية غير السلمية» ثم على سورية في إطار الحرب الإره*اب*ية التي يشنها عليها.. و تم تهديد روسيا به عام 2014 على خلفية استعادتها جزيرة شبه جزيرة القرم.

في أعقاب العملية الروسية في أوكرانيا في شباط الماضي من هذا العام 2022، شحذ الغرب سكاكين العقوبات على روسيا، واستمر أشهراً في فرض حزم العقوبات من دون فائدة، بل على العكس ارتدت هذه العقوبات كوارث عليه.. وكان فصل روسيا (جزئياً) عن نظام سويفت بمنزلة «جوهرة التاج» في سلسلة العقوبات. كان يفترض أن يكون هذا الفصل مدمراً للاقتصاد الروسي خصوصاً أن روسيا هي ثاني أكبر المستخدمين له بعد الولايات المتحدة، لكن هذا لم يحدث. الغرب استفاق على صدمة أن روسيا استعدّت جيداً بنظام مالي بديل «SPFS» ولديها شركاء دوليون فيه على رأسهم الصين، وأن لديها من العلاقات الدولية والحلفاء الدوليين ما يُغنيها عن سويفت، وأن لروسيا كامل القوة والقدرة على فرض عملتها «الروبل» في التعاملات التجارية الدولية.

وفيما لا يزال الأميركيون والأوروبيون غارقين في وهم نجاح عقوباتهم على روسيا، خصوصاً سويفت، بدأت روسيا تتحدث بثقة وقوة عن أن نظام سويفت سيختفي لصالح نظام بديل تعمل عليه مع شركائها.. ونفهم من التصريحات أنه تم قطع شوط مهم، وأن هذا النظام سيتحقق، ربما قبل نهاية هذه العشرية.

هل هذا ممكن.. وهل تسمح الولايات المتحدة بقطع أحد الذراعين الأساسيين (الدولار وسويفت) اللذين تعتمد عليهما في الهيمنة على النظام المالي العالمي؟

وقائع التاريخ، ضمن قرن مضى، تسجل أن الولايات المتحدة وجدت نفسها مرات عدة أمام منعطفات تاريخية فاصلة هددت زعامتها العالمية، وكانت في كل مرة تخرج رابحة.. فما الذي تغير اليوم حتى لا تخرج رابحة؟

للإجابة لا بدّ من العودة بالتاريخ، وسرد الحكاية من أولها:

* * ***

بالتعريف الرسمي، يبدو «سويفت» نظاماً أفلاطونياً.. لكن بالتطبيق تتبدى الكارثة ويظهر على حقيقته المتوحشة كما هي أميركا التي أوجدته كذراع مالية ضاربة لها في كل أنحاء العالم.

سويفت هو نظام دفع مالي إلكتروني عالمي.. تأسس عام 1973 من قبل 239 مصرفاً توزعت على 15 بلداً ليحل في الاستخدام محل نظام «التلكس».. مهمته تسهيل حركة التدفقات النقدية العالمية وجعلها أكثر أماناً.. استخدم رسمياً عام 1977.. وتحول مع الوقت إلى العمود الفقري للنظام المالي العالمي حيث وصل عدد المستخدمين يومياً قرابة 42 مليوناً عبر 11 ألف مؤسسة مالية تغطي جميع دول العالم.

في التعريف أيضاً.. سويفت نظام محايد لا ينحاز إلى أي طرف في النزاعات الدولية، وفي بياناته الرسمية يؤكد أن الهدف من تأسيسه هو ضمان ألا يكون النظام المالي العالمي تحت سيطرة أو احتكار كيان معين (مع ذلك تم استخدامه من قبل أميركا لمعاقبة إيران وسورية وكوريا الديمقراطية وفنزويلا.. ثم روسيا هذا العام).

في كل معلومات التعريف لا ذكر للولايات المتحدة بصفة خاصة، فهي مثل كل الأعضاء يقع عليها ما يقع عليهم، لكن هذا ليس صحيحاً بالمطلق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار