الحرب النفسية على سورية وآثارها السلبية على المجتمع والأسرة

ثناء عليان

تحت عنوان : “الحرب على سورية وآثارها السلبية على المجتمع والأسرة” ألقى الباحث عماد يوسف محاضرة تحدث فيها عن الحرب على سورية وما أفرزته من مظاهر سلبية عنفية ضد المجتمع والأسرة، وبيّن أن مفهوم العنف لا يقتصر على السلوك العدواني المباشر، بل يتعدّاه إلى الكلام المُهين، والسبّ، والشتم، والتجريح النفسي والمعنوي ويُراد به إثارة الخوف، أو التسبب بالأذيّة الجسدية، أو النفسية، أو حتى الجنسية، دون تفريق أو اعتبار للعمر أو الجنس أو العرق. ويُقصد بذلك إذلال الآخر، وتوليد شعور الإهانة في نفسه وإضعاف ثقته بها، وذلك باستخدام وسائل كثيرة مُتاحة، “نفسية، ومعنوية، وجسدية، ومادية أو غيرها”. وهذا ما يؤدي إلى فقدان ضحايا العنف لثقتهم بأنفسهم، وينتابهم الشعور بالعجز، والقلق، والرُهاب، وربما يصل إلى حالات الاكتئاب ما يتطلّب التدخل الطبي والعلاج.

ويرى يوسف أن ما حصل في سورية من مظاهر عنفية عميقة ومؤثرة اخترقت النسيج المجتمعي السوري وانعكست على الناس كعائلات وأفراد، ومجتمع، يعود للموروث العنفي في ثقافة بعض البيئات المتزمتّة دينياً، وطائفياً، والتي تربّت على ثقافة إلغاء الآخر المختلف، ووجدت في الحرب وحالة الفوضى التي نتجت عنها بيئة خصبة لتفريغ نزعاتها العنفية تجاه الآخر، لافتاً إلى ما تحدث عنه العالم فرويد في النزعات الفطرية عند الإنسان لا تجد لها ولنزعاتها حاضنة أفضل من شروط الحرب حيث يغيب القانون والانضباط الاجتماعي العام.

وتطرق يوسف لنظرية العالم “دولارد” التي تؤكد أن الضغط النفسي والعصبي الناتج عن تداعيات الحرب سبباً كبيراً في تفسير ظهور نزعة العنف لدى الكثيرين من الناس. وما يتبع ذلك من ضغط اقتصادي ومادي، وما تعكسه على الوعي الجمعي بوصفه أحد إرهاصات الحرب الحتمية.

وأشار إلى تأثير الحرب على المجتمع والأسرة كزيادة حالات العنف وغياب السلام المجتمعي المنشود وازدياد حالات الطلاق في المجتمع وتكسّر العلاقات الاجتماعية كأحد الروابط التضامنية والضرورية، وبالتالي انهيار منظومة القيم وتضخم نزعة “الأنا” التي تلتهم “النحن” المجتمعية، وهذا أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمعات من أمراض، إضافة إلى ارتفاع معدل الجريمة والاقتتال بين أفراد المجتمع الواحد وبين الزوج وزوجته، والأخ وأخيه، وأبناء المنطقة الواحدة، وتزداد هذه النسبة طرداً في الأرياف والقرى ولدى البدو، حيث يكون هناك شبه غياب للقانون ولسلطة الدولة، ويكون نمط العلاقات الريفية هو السائد غالباً، وازدياد حالات الفلتان الأمني وممارسة العنف من قبل ما يُسمُّون “بالبلطجية” حيث يسودون ويمرحون في زمن الحرب، لافتاً إلى أن هناك الكثير منهم قد انتقل للعمل في المجالات التجارية وهم يمارسون العنف الاقتصادي على الناس، لجهة الغش والاستغلال والتلاعب بالأسعار واحتكار المواد وتكديسها، وهذا يعتبر نوعاً من أنواع التعنيف الذي يمارسه التاجر على الناس من خلال تحقير الآخر وإخضاعه لقوانينه التجارية الشخصية، ومن تأثيرات الحرب أيضاً ازدياد نسبة الأطفال المشردين، والمتسولين في الشوارع، وهم ليسوا سوى ضحايا للحرب والعنف الأسري أو التفكك الأسري الذي قد يكون سببه الرئيس في الأصل العنف الممُارس من قبل طرف على الطرف الآخر.

وبيّن يوسف أن التفكك الأسري الناتج عن إرهاصات الحرب يترافق مع ارتفاع نزعة التملك عند الجميع، وبالتالي فقدان عامل الأمان المجتمعي. ما يسبب الصراع بين الأهل والأقارب على ملكيات قد تكون في غاية الصغر، كما أن ارتفاع التوتر النفسي وانضغاط الجملة العصبية بشكل لا وعي فيه، يؤثر على سلوكيات البشر وطبائعها، وعندما تأتي الحروب تكشف نزعات البشر العدوانية، وتظهر مركبّات النقص لدى هؤلاء الذين يفشلون في مجالات الحياة الأخرى.

ولفت إلى أن جميع دول العالم مرت بحروب شتى، حتى وصلت إلى الحروب الاقتصادية وخنق الشعوب في لقمة عيشها كما يحصل للشعب السوري من قبل الاحتلال الأمريكي وعصابات “قسد” الذين يسرقون خيرات شعبنا من نفط وقمح وقطن وسواها، لذلك فإن الحرب في سورية، وعليها أدت إلى انعكاسات خطيرة ونتائج وخيمة في البشر والحجر والشجر. وحيث إنه لا يوجد مفهوم جمالي للحرب، فلا يمكن تجميل “الكلمة” فكلمة حرب عندما نسمعها، يستحضر عقلنا مباشرة معاني القتل والدمار والخراب والدم وسواها من كوارث الحياة التي تحصل في زمن الحروب، نعم.. الحرب ماهي إلا تدمير للدولة والمجتمع، والإنسان، وهي تحمل في جنباتها ومنعكساتها أخطر الأمراض الاجتماعية التي تحتاج سنين طوالاً للشفاء منها، لأن هذه الأمراض الاجتماعية تتحول ببساطة إلى ثقافة عامة في الوعي المجتمعي العام. وأخطر هذه الأمراض هو العنف الذي تتم ممارسته في المجتمع سواء في البعد الاجتماعي أو الأسروي. ويزداد هذا العنف وتيرةً مع اشتداد الأزمات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار