اقتصاد من غير سكر
الموازنة العامة.. ذراع الدولة التدخلية في توجيه الاقتصاد.. حتى في الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية, كانت الدولة ومازالت تحتكر بعض الأنشطة الاقتصادية والمحاصيل والموارد النادرة أو الثروات الباطنية, من أجل توفير دخل للنشاط الحكومي, واستمرار أعمالها وإنجاز مهامها.
إن تدخل الدولة ممثلة بالحكومة, هو شيء أساسي وضروري, وقد امتد في بعض الأنظمة الاقتصادية وخاصة اقتصادات السوق الاجتماعي إلى مساحات مهمة من الأنشطة الاقتصادية.
إن من مهام الدولة أن تحدد المسار العام للمجتمع, وتقوم بضبط الإيقاع الأساسي للنشاط الاقتصادي, ودمج ذلك في إدارة موارد الدولة وتنظيم السوق.
وتبقى درجة تدخل الدولة مرتبطة بالدور الحكومي ونوعية الدولة.. هل هي دولة رعاية اجتماعية.. أم دولة تعزيز الأمن والدفاع عن المجتمع ؟
لكن الأولوية لدينا اليوم للأمن وتأمين البنية الأساسية للاقتصاد, من موارد الطاقة والمياه، وتقديم الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وضمان اجتماعي.
ويظهر في الموازنة العامة للدولة شيء آخر بأولوية ثانية, وهو الاستثمار في إنتاج الثروة, أي الإنتاج الحقيقي، لكن الإنفاق بأي أولوية كان, سواء للأمن أم البنية الأساسية أو في المشروعات الإنتاجية, كله سيحرك عجلة الاقتصاد, حينما تضخ الحكومة المال فسيعمل به مستثمر ما.
وفي مقاربة أخرى, ترصد اليوم الأموال في موازنات الوزارات وموازنات الجهات التابعة لها, على هدف التقدم في الإنتاج أو الحفاظ على الموجود منه, لكن بسبب عقدة التخلف والتقدم ومحاكاة العالم المتقدم, ينحاز البعض إلى فكرة استخدام التقنيات المعقدة ورأس المال الكثيف للاستثمار, مهملاً مشروعات الحياة التي تعتمد على تكثيف رأس المال البشري, أي الاعتماد على قوة العمل .
إنه نمط النمو البطيء بل هو بدقة نمط لا يعتمد على تطوير العلاقات بين الناس وإنتاج السلم الاجتماعي, لأنه يخلق تفاوتاً حقيقياً في المساواة واستمراراً لظهور الفقر والعوز والبطالة.
لكن المهم للاستفادة من هذه الموازنات أن توفر الحكومة لأجهزتها أفضل الخبرات الإدارية والاقتصادية والفنية وأصحاب الكفاءات العالية, حتى تكون قراراتها في تحمل مسؤولياتها في مكانها الصحيح والتأثير الإيجابي على الحياة، وأن تصيغ دورها على مبدأ الكفاءة والفاعلية.. أي اختيار الأنسب والصحيح من الأنشطة وتنفذها بالشكل الصحيح .