“لن نترك الشرق الأوسط لروسيا والصين وإيران”
ميشيل كلاغاصي
على طريقة ديفيد هالك، حاول العجوز الأمريكي، أن يكسب لقب الرجل الحديدي، من خلال زيارةٍ طويلة شاقة ومرهقة إلى الشرق الأوسط، التقى فيها قادة أكثر من عشر دول في المنطقة، هاجسه إعلان تمسك بلاده بالبقاء في الشرق الأوسط، وعدم ترك الفراغ أمام روسيا والصين وإيران، وتحويل الوجود العسكري الأمريكي إلى وجودٍ اقتصادي، من خلال إصلاح وتعميق علاقات إدارته بدول المنطقة، بما يفوق علاقات موسكو وبكين وطهران كماً ونوعاً بها، متجاهلاً آلاف الأميال التي تفصل الولايات المتحدة عن المنطقة، مقارنةً بالأميال القليلة لمن يعتبرهم أعداءه.
ومع ذلك، أظهر اهتماماً وإصراراً على تمتين وتعزيز العلاقات والمصالح الأمريكية الثنائية والمتعددة الأطراف، مع دول التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، و”تصحيح الخطأ” واستعادة “النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط”, على الرغم من الشرخ الكبير الذي أصاب علاقات الولايات المتحدة بكافة دول المنطقة سواء كانوا أصدقاءه أم أعداءه، ووجد الوقت والفرصة وربما كان الهدف الرئيس للزيارة– الرحلة، هو التركيز على محاولة عزل روسيا ونسف علاقاتها مع تلك الدول، بالإضافة إلى تهديد ووعيد إيران، وتأكيد عزمه على منعها من تطوير إنتاجها من الطاقة النووية، تحت مسمى “السلاح النووي”، على الرغم من قناعته بصعوبة انضمام من التقاهم، إلى “مهرجان” العقوبات على روسيا، لكن ذلك لم يمنعه من محاولة إقناعهم بعدم جدوى اعتمادهم على روسيا، التي “توشك على الغرق في المستنقع الأوكراني”، ولن تستطيع البقاء في المنطقة.
ومع نهاية القمة، أدلى ببيانٍ، أظهر تخبط إدارته وضياعها، وعدم امتلاكها أي إستراتيجية لعملها ووجودها، سوى إشاعة الفوضى، والإشراف على الإر*ه*اب، وإلحاق الأذى بالدول والشعوب، وسرقة ثرواتها، وجاء كلامه -أي بايدن- غير محسوب لجهة إعلان “تمسك إدارته بالنفوذ الأمريكي في المنطقة”، من دون أن يلحظ ارتباط هذا النفوذ بالأفعال الشنيعة لبلاده في العراق وسورية وليبيا ولبنان واليمن وإيران، بما ينسف الحديث عن النيات الأمريكية بالانسحاب من الأراضي العراقية والسورية وغيرهما.
يبدو أن بايدن أظهر مفهومه للنفوذ من بوابة الوجود العسكري والحروب والدماء، في الوقت الذي عززت فيه كل من موسكو وبكين وطهران نفوذها في المنطقة عبر العلاقات التاريخية والثقافية والاجتماعية والشراكة الاقتصادية والتجارية مع دول المنطقة، والتي تحولت إلى علاقات إستراتيجية بلغة المصالح العليا.
تبحث الولايات المتحدة عن نفوذ الهيمنة، والسطوة العسكرية، وعن تنصيب “إسرائيل” زعيماً وقائداً لدول المنطقة، عبر استخدام الفزاعة الإيرانية، والكراهية الروسية، والتهويل الصيني، واللعب على كافة التناقضات، وإطلاق الروايات الكاذبة، والعمل الدؤوب على استنهاض الخلافات والاختلافات، وزراعة العملاء والخونة، والاستعداد الدائم لإحراق أي بلد في منطقة الشرق الأوسط من داخله، وعبر قوات احتلالها المباشر، وقواعدها العسكرية الدائمة في المنطقة.
تبدو الحقيقة في حالة الضعف والتراجع الأمريكي، التي دفعت الرئيس بايدن للحديث عن فرصٍ ضائعة، وعن أخطاءٍ أمريكية، وخيارين اثنين ما بين التمسك بالشرق الأوسط، والتركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادىء، في وقتٍ لا يمكن فيه إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسط التغييرات التي شهد العالم العربي على وقع الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وولادة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب .
هل أخطأ الرئيس العجوز الذي صافح الهواء وابن سلمان، واختلطت عليه الأمور، في تقييم الفرص الضائعة والأخطاء، ما بين ضرورة الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، أو التمسك ببقاء الاحتلال والنفوذ الأمريكي فيه، أم إنه لم يمتلك الجرأة لإعلان تخلي بلاده عن مخططها، الذي اقتضى إغراق روسيا بالحرب في أوكرانيا، وإبعاد إيران وإدخالها في دوامة مفاوضات الملف النووي بلا جدوى، والتفرغ لمواجهة الصين؟..
لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، أمام وحدة الصف الروسي- الصيني- الإيراني، وانتصار الرئيس بوتين وتقدمه نحو تحقيق كامل أهدافه في أوكرانيا وأوروبا، أمور بمجملها اقتضت قراراً أمريكياً بالهروب من مواجهة الصين، والبدء بمغازلتها، تحت عنوان “لن نترك الشرق الأوسط لروسيا والصين وإيران”.