الكسر يضعف الجودة

تطرح الكثير من مشاريع الجهات العامة عبر مناقصات للتنفيذ، ومن ثم ترسو على المتعهد صاحب العرض المالي الأقل، لكن السؤال المهم هنا : هل آلية التعاقد هذه تفضي دائماً إلى التنفيذ وفق المواصفات؟

معروف أن ما يسبق إعلان المناقصات هو دراسات لمفردات العمل وإعداد كشوفات تقديرية لقيمتها وفق اشتراطات ومواصفات معينة، وعندما ترسو المناقصة على عارض بكسر لا يتجاوز الـ 10 إلى 12% من القيمة يمكن اعتبار الأمر معقولاً حسب متابعين، وقد يسوغه امتلاك المتعهد آليات فنية ومعدات و ورشات ذاتية ولن يضطر لاستئجارها ما يخفض عليه النفقات، بمعنى؛ إن نقاط القوة هذه تمكنه من التنفيذ وفقاً للمواصفات مع تحقيق ربح مناسب ولو أخذها بنسبة الكسر المذكورة.

لكن المشكلة عندما تكون نسبة الكسر أكبر مما سبق وقد تتجاوز العشرين أو الثلاثين بالمئة.. فكيف ستكون جودة التنفيذ؟.. لأن مثل هذا الكسر يعني أن المتعهد أخذ العمل بأقل من تكلفته التقديرية التي حددتها الجهة صاحبة المشروع حسب الرائج في السوق، وفي الإجابة فذلك لا يمكن تفسيره إلّا بأن المتعهد يبيت نيات غير سليمة، إذ من غير المنطقي أنه تقدم للمشروع ليخسر بل ليربح.

وتلك النيات تترجم على أرض الواقع تلاعباً بنوعية المواد وبكمياتها ما ينعكس سلباً على جودة التنفيذ، وعلى سبيل المثال إذا كان المشروع خاصاً بالطرقات فإن المجبول الإسفلتي الذي نفذ بمواصفات رديئة وبسماكات قليلة سيتخرب بعد فترة وجيزة وتتبدد المنفعة منه وتذهب الأموال التي أنفقت عليه أدراج الرياح، وإذا كان يتعلق بتركيب أرصفة وأطاريف فإنها ستتداعى بزمن قصير، وإذا كان يخص مدّ شبكات صرف صحي فأداؤها سيتدنى من خلال ظهور الهبوطات والتسريب بعد حين، وما يؤكد حدوث النتائج السلبية هو عدم إمكانية التعويل على أجهزة الإشراف والاستلام في ضبط التلاعب لأن معظمها يغض الطرف عن المواصفات لتواطئها مع المتعهدين بخلفيات مشبوهة.

بالمجمل فإن الكسر الكبير ليس حالة صحية ويؤشر مسبقاً إلى أنه سيأكل من الجودة وينعكس بتدني الخدمة المتوخاة من المشروع مع تفاقم تراجعها بمرور الزمن، وهنا ينبغي وضع حدٍّ أعلى منطقي غير مقبول تجاوزه في عملية الكسر لدى التقدم للمناقصات، توازياً مع ضرورة تفعيل وضبط عمل أجهزة الإشراف والاستلام لضمان جودة التنفيذ وتفادي تخرب الأعمال وضعف المنفعة منها وعدم تبدد الأموال التي أنفقت عليها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار