بين الكاملة أو دونها.. (الأعمال الشعرية) بين الخوف من الفقد والأنا المُتضخمة
علي الرّاعي:
على ما يروي الكاتب الروماني – الفرنسي “أ.م. سيوران”: إن خوف الكاتب من العقم؛ يقوده إلى إنتاج ما بعد المنابع، وإلى أن يُضيف إلى الأكاذيب المُدهشة؛ أكاذيب أخرى كثيرة، يستعيرها، أو يخترعها، فتحت عنوان “الأعمال الكاملة” يرقد مُخادع.
في مشهد الشعر
وسواء اتفقنا مع ما توصل إليه سيوران أم لا؛ فإنّ ثمة ما يُلفت الانتباه في المشهد الشعري السوري وحتى العربي في مسألة “الأعمال الشعرية”، هنا سنحصل – إذا ما نوينا على قراءة الشعر- على عشرات الدواوين من هذه المجلدات، التي توصف ب”الأعمال الكاملة” لشعراء أكثر من أن نُحصي عددهم، منهم: نزار قباني، أدونيس، نديم محمد، بدوي الجبل، سنية صالح، وغيرهم الكثير، هذا عند السوريين، أما لدى العرب فتتعدد الأعمال الشعرية الكاملة لكل من:محمود درويش، سعدي يوسف، وديع سعادة، أمل دنقل، بل حتى الأعمال الكاملة لشعراء ليسوا عرباً أمثال: بابلو نيرودا، شارل بودلير، وآرثر رامبو، وغيرهم الكثير أيضاً، والمجموعة الأخيرة كلها مُترجمة للغة العربية.
لكن سمة تلك الأعمال الشعرية الكاملة، لهؤلاء الشعراء، هي أنها جُمعت – في كثير من الأحيان- بعد رحيل الشاعر عن هذه الدنيا، حيث تقوم مؤسسات – في الغالب- أو أفراد مهتمين، وحتى أفراد من أسرة الراحل، بجمع ما لدى الشاعر الراحل من قصائد متناثرة، أو منشورة في صحف ومجلات، إضافةً للدواوين والمجموعات الشعرية التي كان أصدرها في مراحل سابقة، حيث تُجمع كُلها، وتبوّب في فصول تحت عنوان “الأعمال الشعرية الكاملة” أو قد يوعز الشاعر نفسه خلال حياته لمن يجمع إرثه الشعري، وإصداره خلال حياته في مُجلد واحد، أو على أجزاء، ويكون حينها الشاعر، قد وصل إلى “سن اليأس” الإبداعي، وهذا أمر يعترف به الكثير من المبدعين. أي يكون المبدع قد وصل لمرحلة ليس لديه ما يقوله، وقد وصل ديوانه الشعري إلى خواتيمه.
الأعمال الشعرية
غير أنّ ما يُلفت الانتباه في إصدار المجموعات الشعرية الكاملة خلال المرحلة القصيرة الماضية؛ هي أنها شهدت إصدارات “المجموعات الكاملة” لشعراء، وهم في قمة نضجهم الشعري، ما يوحي، وكأنهم يعلنون “تقاعدهم” المُبكر، غير أن ما ينفي هذا الإيحاء؛ هو إصدارهم لأكثر من مجموعة شعرية جديدة، بعد إصدارهم ل”الأعمال الشعرية” ذلك ما كان للشعراء: صقر عليشي، محمد عسى، بديع صقور، أمير سماوي، و.. غيرهم أكثر من شاعر؛ كان قد أصدر “الأعمال الشعرية” ثم ليصدر بعد ذلك أكثر من مجموعة شعرية. أي أنهم بدلوا مفردة “الكاملة” ب (الأعمال الشعرية) فقط.
اختلاف بين الأعمال
وهذا برأي الشاعر صقر عليشي – صاحب دار للنشر- إن “الأعمال الشعرية” تختلف عن “الأعمال الكاملة”، الأولى؛ التي هي عبارة عن تجميع المجموعات الشاعرية القديمة التي تمّ إصدارها في مراحل سابقة، وعلى فترات مختلفة في كتاب واحد غالباً، ما يأخذ شكل المجلد وقد يكون على أجزاء، وهو – بكل الأحوال- تقليد قديم، أي بدل أن يتم إعادة إصدار المجموعات السابقة مجموعة مجموعة التي قد تكون نفذت أو تلفت ربما؛ يتم إعادة إصدارها في كتابٍ واحد. وإن كان الأمر يوحي في كثير من الأحيان، وكأنّ إبداع الشاعر وصل إلى خواتيمه، أو مرافئه الأخيرة.
وهذا ما فعله الشاعر محمد عيسى صاحب دار نشر في دمشق “الأعمال الشعرية”؛ الذي يقول عنه شخصياً :”عن عمرٍ يناهز 312 صفحة. جمعت في هذا الكتاب ديوان (شيء ما) و (مائدة البراري) و (رتوش ما بعد العاصفة) تقبل الله أعمالنا وأعمالكم”. وفي هذا التصدير لهذه الأعمال، لا يوحي الشاعر محمد عيسى، وكأنه ختم القول الشعري وحسب، بل يظن من يقرأ هذا الإعلان – النعوة، وكأن الشاعر هنا يدفن نتاجه الشعري في هذه “الأعمال الشعرية”، رغم أنه لم يُنهي العنوان ب”الكاملة” أي لايزال – وهذا ما نحن واثقين منه – ثمة الكثير من القصائد لدى هذا الشاعر الذي شكّل ملمحاً هاماً ومختلفاً في القصيدة السورية.
نرجسية شعرية
فيما ناقد آخر مثل الأديب ناظم مهنّا؛ يجدها حالة إعجاب بالذات، وهي وإن كانت ليست سلبية؛ غير أنها يُمكن وصفها بتضخم الأنا لدى الشاعر، والإعجاب الشديد بما أنجزه، لدرجة الخوف عليه من الفقد حيناً، وحيناً آخر تقديمه بأشكالٍ مختلفة، حتى أنّ شاعراً جمع مؤخراً مجموعاته الشعرية، وانفق على طباعتها مبالغ هائلة بمجلدات فنية مُكلفة جداً، وهناك بعض دور النشر – سواء خاصة أو مؤسسات رسمية تابعة للدولة – تحتفي بشاعرٍ ما؛ فتقوم بإعادة طباعة أعماله الشعرية، وقد تكون في الكثير من الأحيان؛ هي “الأعمال الشعرية الكاملة”.
بقي أن نُشير إلى جمع الأعمال السابقة، وإصدارها في مجلد واحد؛ لم تقتصر على الشعر وحده، وإن كان هو الغالب في هكذا إصدارات، فقد أصدرت منذ فترة الهيئة العامة السورية للكتاب –وزارة الثقافة، الأعمال الروائية الكاملة للأديب أحمد يوسف داود، والأعمال القصصية الكاملة للأديب حيدر حيدر، والأعمال النقدية للأديب نضال الصالح، وفي السابق كانت قد أصدرت العديد من المجلدات الكاملة في القصة القصيرة وغيرها لمبدعين راحلين، نذكر منهم: فرنسيس مراش، الذي يُنسب له قصب السبق في بداية الرواية الفنية في سورية، والقاص حسيب كيالي الكاتب الساخر والأشهر في هذا المجال أي القص الساخر، وهنالك الرائد في الرواية السورية أديب النحوي، وغيرهم الكثير أيضاً، كانت وزارة الثقافة قد جمعت نتاجهم الإبداعي لتصدره تحت عنوان “الأعمال الكاملة” وهذه من جمائلها الهامة جداً.
بقي أن نذكر أخيراً؛ إن (الأعمال الشعرية الكاملة)؛ هي التسمية الحديثة لما كان يُطلق عليه الديوان لقدامى الشعراء الذين وصلتنا قصائدهم مجموعة في كتابٍ واحد كا(ديوان المتنبي، ديوان أبو النواس، وديوان البحتري، وأبو تمّام، و.. غيرهم).