“استديو الجبل” أرشيفٌ غنيٌّ عن السويداء ينشره أبناء “سلمان أبو راس”
لبنى شاكر:
عامٌ كامل مرّ على إنشاء صفحة “استديو الجبل” في فيسبوك، لذلك لا بدّ من القول إن حديثنا عنه مُتأخر، لكنّ عزاءنا أن يقودنا إليه بحثٌ عن المطربة الراحلة “أسمهان” آمال الأطرش في ذكرى رحيلها 14 تموز 1944، لم تقتصر نتائجه على اكتشاف صورٍ لها تُعرض لأول مرة، بل تجاوز ذلك إلى أرشيفٍ كبيرٍ خاصٍ بمحافظة السويداء، إحدى الصور هي الأخيرة للراحلة في مسقط رأسها، تمتطي حصانها الأبيض عام ١٩٤٢، وفي الصورة الثانية ابنتها “كاميليا” في عيد ميلادها السابع 1944 مع أخيها غير الشقيق “زيد الأطرش”، في منزل والدهما الأمير “حسن الأطرش” في السويداء أيضاً.
“استوديو الجبل” لصاحبه المصوّر الراحل “سلمان أبو راس” 1922-2008، أول محلٍ للتصوير في المحافظة لأحد أبنائها، والوحيد حتى عام 1960، اشتراه من مصوّرٍ أرمني “يروانت فيرمانيان”، علّمه المهنة قبل سفره واستقراره في لبنان، لتحضر عدسته في الشوارع والمقاهي والبيوت، تلتقط وتُؤرشف وتحفظ يوميات الناس والأحداث الفاصلة في حياتهم، من ذلك احتفال عيد الجلاء ١٩٥٨ بحضور القائد العام للثورة السورية الكبرى “سلطان باشا الأطرش”، وأول مهرجانٍ رياضي على أرض السويداء سنة ١٩٥٠، أيضاً جمعية بيت اليتيم الخيرية ومكتب البرقيات والمكالمات القطرية والدولية أوائل الخمسينيات.
فُقِد القسم الأكبر من أرشيف المصوّر الراحل في حريقٍ شبّ في الاستوديو عام 1976، كذلك فُقِد آخر بطريقةٍ ما، ولم يتبقَ إلّا قسمٌ بسيط، حافظ عليه أبناء أبو راس الذين امتهنوا التصوير أيضاً، وأنشؤوا الصفحة للتعريف بزمنٍ مضى خلّدته عدسة أبيهم، وهو ما يعمل عليه حالياً واحدٌ منهم “إحسان أبو راس”، بعد أن حفظَ “النيغاتيف” المُتبقي بطريقةٍ تضمن حمايته من الرطوبة والحرارة، يقول لـ “تشرين”: إحدى الصور لدي تعود إلى مئة سنة، لذلك يجب الحفاظ عليه والاهتمام به، إلى جانب إظهار الصور بأفضل شكلٍ مُمكن، وإعادة تخزينها بالأساليب الحديثة.
قبل نشر الصور في صفحة الاستوديو، يبحث أبو راس جيداً للتأكد من صحة الشروحات المرافقة لها، وما يتعلق بالزمان والمكان والأشخاص، كما يعود إلى مواقع الكترونية عديدة لضمان عدم نشرها سابقاً، وهنا يُبين بأنّ معظم الصور الخاصة بالمحافظة من عام 1960 وما قبل، مأخوذة من “استديو الجبل”، لأنه الوحيد في تلك المرحلة، بالطبع كانت الصحافة حاضرة في مناسباتٍ معينة، ولا شك أنها أخذت صوراً خاصة بتغطيتها، يُضيف: تحتاج بعض الصور شهرين من التقصي والتدقيق، لكن هذا ضروري في الإشارة إلى أنها تُعرض لأول مرة أم لا، أما صور الراحلة أسمهان، فهي تعود أصلاً إلى أرشيفٍ خاصٍ بالوالد، لم يُنشر.
رغم أهمية وندرة ما يمتلكه “إحسان أبو راس” من صورٍ يُمكن عدها وثائق تاريخية، لم يجد اهتماماً من أي جهة في السويداء أو غيرها، حتى إنّ إقامةٍ معرضٍ لإظهار الأرشيف الهائل، أمرٌ صعبٌ ومُكلف على حدِّ قوله، فهو يحتاج صوراً مطبوعة بأجهزةٍ مُعينة تتناسب مع وضعها الحالي، لذلك يكتفي بالنشر في الصفحة، ليتعرف أبناء اليوم على تاريخهم، ولاسيما أن الصور تغطي جوانب حياتية مُنوّعة، إضافةً إلى ما يتعلق بأبناء المحافظة من المبدعين والمُؤسسين، منهم “حسين يوسف نعيم” لم يملك شهادة جامعية لكنه كان مهتماً بإصلاح الآلات الكاتبة في الدوائر الحكومية حتى إن المُجاهد “سلطان باشا الأطرش” كان يرسل له أسلحته الشخصية لإصلاحها.
ترك أبناء “سلمان أبو راس” العمل في التصوير، وفي عام 2011 باعوا المحل وتحوّلوا إلى مهنةٍ أخرى، وبقي “إحسان” يشتغل على أرشيف والده من بيته، بعد أن هيأ زاويةً مناسبة، وفي رصيده أيضاً أرشيفٌ شخصي، جمعه خلال 25 عاماً، عمل خلالها في “استوديو الجبل”، الاسم الذي يبذل جهداً في سبيل نشر ثروته من الصور، والتي تستحق العرض في متاحف وصالات تليق بقيمتها، ليس لأنها تستحضر تاريخاً حافلاً بالمُتغيرات فقط، بل لأنها تشرح وتوضح كثيراً مما اختفى عبر الزمن.