بايدن والهرولةُ إلى الشرقِ الأوسطِ

هكذا هي السياسة، تتغير تبعاً للمصالح ونقاط التكسب بأوراق وملفات، إلا أن الثابت أن ما يتحكم بها أولاً وأخيراً، ليست الواقعية والعقلانية، بل مصالح الاقتصاد والخزائن..

عديدة هي الشواهد والوقائع التي حصلت ما بين الدول والتحالفات الإقليمية في إطار تحالفاتها واتفاقاتها، وحتى على صعيد منطقتنا العربية ، فهناك دول وثقت علاقاتها مع دول عظمى عبر أسس من التحالف التاريخي، ودول سجلت نجاحات مهمة ومعروفة من خلال اتباعها أسس سياسية صحيحة مبنية على صيغ مؤدجلة راعت مصالح الشعوب والظروف..

السؤال هنا: هل للسياسة الأمريكية رسوخ أو صيغ تحترم مصائر وخيار الدول والتحالفات الإقليمية التي تنظم أو تقيم معها علاقات…؟! هنا يظهر الجواب سريعاً.. لا رسوخ ولا منهجية سليمة لسياسة أمريكية خاصة مع دول المنطقة، بحال إذا تركنا كنه علاقاتها مع أقطاب أخرى ..!

كما هو معروف وغير خاف على أحد حجم الاختلافات والتباين الذي شاب العلاقات بين أمريكا وبعض الدول العربية على مستوياتٍ متعددة وفي ملفات مختلفة، بعد أن كانت كل قنوات التواصل متاحة ، ومستوى التفاهمات كان جيداً، إلا أنه بين ليلة وضحاها ترى التغيير يطرأ، وتنكمش العلاقات الودية إلى مستوى متدن ، إلى أن يصل إلى إطلاق التصريحات غير الودية، وتالياً تتبع أمريكا مسلك السياسات غير المتزنة، وهذا ما يميز تلك السياسة الأمريكية ..

بعد سنتين من تصريحات بايدن الرئيس الأمريكي النارية وهجومه على السعودية، وعدم الاكتراث الكلي بما يحدث من تموجات في منطقة الشرق الأوسط ، وترك الساحة لعربدة “إسرائيل” يحط رحاله في السعودية تحت ضغط تغير الموازين على الساحة الروسية- الأوكرانية لمصلحة روسيا اقتصادياً، إذ كسبت الشيء الكثير رغم قسوة العقوبات، ودخول الاقتصادات مرحلة من عدم الوضوح والخلخلة وربما في أتون ويلات حرب اقتصادية تؤدي إلى خسائر اقتصادات دول برمتها ، لم تحسب أمريكا حساباتها بدقة، وها هي أصوات بعض مفكريها ومؤسساتها وشركاتها قد بدأت.. كل تلك الفعاليات تعيد حسابات ربحها من خسارتها، ما شكل عامل ضغط على ” بايدان” ليأتي راضخاً إلى منطقة الشرق الأوسط، لعل ذلك يعيد بعضاً من توازن ميزان صار يتحسس بعدم توازنه .. !

المنطق يقول : يجب على الكبار التعلم من أخطائهم، لكن هذا لا ينطبق أبداً مع منهجية سياسة أمريكا وخصوصيتها العدائية لشعوب منطقتنا، ولولا مجرى التغيرات على صعيد ما تفرزه الحرب الروسية- الأوكرانية ، وبدء معاناة شعوب أوروبا وحتى تأثر الشعب الأمريكي بمفرزات الأحداث ، وإشارة كبريات المؤسسات الأمريكية إلى حصول أخطاء في السياسة الأمريكية خارجياً ،في تقدير بعض الأمور وقراءة التوازنات، وعدم استشراف المستقبل بصوابية مطلقة، حينما أعادت أمريكا وتناست ما أطلقت من تصريحات نارية، لكن هاهم ساستها هرولوا إلى منطقة الشرق الأوسط، لعل نسج بعض الخيوط ، يمنحهم عوناً ويخلق لهم ومن يسير في ركبهم أملأ في تبريد بعض الأماكن ومنها اقتصادات بدأ لهيب نارها يستعر … !!

أوراق كثيرة فقدتها أمريكا ، اليوم وجدت نفسها بمواجهة حقيقية مع روسيا.

والصين الحليف القوي لروسيا أخذت بتعزيز صدارتها ودخولها بتحالفات قوية مع روسيا ، واضطرابات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية لم تعد في مصلحتها ولا في مصلحة حلفائها الأوروبيين ، والتخلي عن الاهتمام بالشرق الأوسط لا يصب أيضاً في صوابية مسار سياستها، وها هو يبرهن بكل جلاء مقدار التخبط والالتفاف السريع.. !

سياسة أمريكا، بعيدة كل البعد عن مقومات نجاح سياسات التحالف، فالنجاح يلزمه التزام وعمق ،واتفاقات ملزمة للاطراف ، وتجنب الوقوع في مطبات لا ترضي أحداً، تنم عن ازدواجية معايير وسلوك يتلون مع دول حقها واضح، عندما يتعلق الأمر بربيبتها “إسرائيل” .!

تفكك حلفائها على الساحة الاوروبية انطلقت شرارته الأولى ،ولن يدوم طويلاً، فمصالح هذه الدول تحتم عليها الاستفاقة ولو جاءت بعد أن بدأت موجات العواصف ونذر الأزمات تعتصر رقاب اقتصاداتها، فما أقدمت عليه من تكريس لعنجهيتها وشحن الرأي العام العالمي ضد روسيا ،ستحصد نتائجه ،لأنه لم يكن واقعياً بل مجرد خدمة لرؤيتها وإستراتيجياتها العدائية..

سياسة معهودة ،لا تحتاج لوضع النقاط على الحروف، ستبقى قائمة كما هي على التناقضات وتجاهلها المتعمد لحقوق الشعوب ومصير بعض الدول ،ومساندة المحتل وإغماض عينها عن جرائمه الإرهابية ومشاريعه التوسعية، وهذا كله لن يؤدي إلى تحريك أي من ملفات المنطقة الساخنة ولا قضايا دول العالم بالاتجاه الصحيح الذي يخدم مصالح البلدان.. فهل تعيد أمريكا حساباتها .. ؟ يبدو من المستحيل أن يتم ذلك.. فلا عقلانية ولا واقعية ،بل مصالح ومنافع ومناطق نفوذ .. !

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار