هوامش على دفتر زيارة “بايدن” إلى المنطقة
السيد شبل:
لا شك بأن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط تعد الحدث الأبرز في مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولا يرجع ذلك إلى محورية المنطقة وأحداثها فقط، بل إلى الأبعاد العالمية التي من المفترض أن ترتبط بالنتائج المترتبة على الزيارة.
فعلى الصعيدين السياسي والتجاري تأتي زيارة بايدن في ضوء الصراع الوجودي الذي تخوضه واشنطن مع موسكو وبكين على حدٍ سواء، فالبيت الأبيض يسعى للحفاظ على مكانته على رأس المنظومة الدولية، ويشعر بأن الأرض تتآكل من تحت قدميه بسبب استمرار صعود قوى دولية أخرى تبشّر بعالم متعدد الأقطاب، وعليه فإن الولايات المتحدة تريد أن تضمن أكبر دعم سياسي واقتصادي ممكن من حلفائها التقليديين في المنطقة، خاصة في ظل نجاح الدبلوماسية الروسية من جهة والخبرات الاقتصادية الصينية من جهة أخرى في اختراق مدن وعواصم في الشرق الأوسط كانت حكرا على الأمريكي والأوروبي لعقود مضت.
أما على صعيد الطاقة فإن الإدارة الأمريكية تشعر بأنها قد تفقد بين ساعة أخرى الدعم الأوروبي للأوكرانيين في معركتهم مع روسيا، والسبب سيكون تراخي قدرة مدن أوروبا على الصمود في وجه موسكو التي تزودها بالطاقة. وقد بدأت الصحافة الأوروبية بالفعل بشن هجوم على الولايات المتحدة التي ورّطت أوروبا معها في حالة عداء مستعر ضد الروس، والموطن الأوروبي وحده هو الذي سيدفع الضريبة بينما المواطن الأمريكي لا يتعرض للقدر نفسه من الصعوبات.
من أجل ذلك يريد بايدن خلال زيارته استعادة الهيمنة الأمريكية على موارد الطاقة في الشرق الأوسط وغاز البحر المتوسط لطمأنة الجانب الأوروبي، إلى جانب العمل على رفع معدل إنتاج النفط الخليجي بالشكل الذي ينتج عنه خفض للأسعار، في ظل ترنح الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من جراء حالة تضخم مالي يحذر الخبراء من تناميها.
من الناحية الاستراتيجية، فإنه حسب التقارير التي نشرتها مراكز أبحاث أمريكية، يشعر حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بـ”الجفوة” و”الإهمال” مع الانسحاب الأمريكي من العراق ولاحقا أفغانستان، إضافة إلى ملف التفاوض مع طهران على اتفاق نووي جديد، وبالتالي فإن الأجهزة الأمريكية لديها قرار بالإجماع على دفع الرئيس الأمريكي إلى زيارة الشرق الأوسط ليمسح الدموع ويربت على الأكتاف، ويطمئن الأنصار، ويعيد ترتيب الأمور وتنظيم الحلفاء في تكتلات، خاصة أنه وتبعًا للاستراتيجية الأمريكية فإنه من العبث أن يتم ترك العلاقة مع منطقة بهذا الحجم والثقل لأهواء الرئيس ديمقراطيًا كان أم جمهوريًا، خاصة في ظل أجواء الحرب الباردة التي تخيّم على العالم.
في السياق ذاته تسعى الإدارة الأمريكية لتأمين مصالح الكيان الإسرائيلي باعتباره قاعدة خدمات متقدمة تضمن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، ويأتي العمل في هذا الصعيد عبر محورين: الأول، استمرار الولايات المتحدة في تزويد “إسرائيل” بكل ما يلزم للبقاء قائمة على الأرض الفلسطينية المحتلة، ويشمل ذلك الاعتراف والحماية والسلاح والاقتصاد، وقد عبر عن ذلك “إعلان القدس” الذي وقعه جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، والذي يشمل تعهدا بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، والتزام الولايات المتحدة الدائم بأمن” إسرائيل” ودعمها لتفوقها العسكري في المنطقة؛ أما المحور الثاني، فيتعلق بدعم تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين” اسرائيل ” وبعض عواصم المنطقة التي تتواءم مع المصالح الأمريكية، لتشكيل تحالفات تضمن أهداف البيت الأبيض بتأمين عوامل “الزعامة” على العالم.
مما سبق يتبين أن زيارة بايدن الأولى إلى الشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة لا يمكن بأي حال إدراجها ضمن الإطار البروتوكولي، كما لا يمكن التهوين من إحساس الولايات المتحدة المتعاظم بالخطر الذي يدفعها إلى اتخاذ العديد من الخطوات لتعظيم الاستفادة من كل موطن حول العالم لها فيه أنصار وحلفاء في ضوء استراتيجية تضع على رأس أولوياتها تحطيم فرص ظهور عالم متعدد الأقطاب من جديد.