“ماشا والدب” رسائل تربوية بمنظور الطفولة والمسرح

بارعة جمعة

مشاكسةٌ صغيرة، بحضورٍ إيجابي، حملت في خصالها سلوكاً محبَّباً للأطفال بحكم تعلُّقهم الشديد بها، فكانت مثالاً يُحتَذى به من قِبل أصدقائها الأربعة، ممن واجهوا مشكلاتهم المتكررة ضمن توجيهاتها الحكيمة أحياناً، ولجوئها إلى سياسة الثواب والعقاب مرات أخرى، فما تعانيه “النحلة” و”الفلاح” من أضرار مصدرها “الدب” و”الأرنب” لم يعد يحتمل، ولا يمكن قبوله أمام تفضيل المصلحة الشخصية للطرف الأول على الطرف الآخر، ما دفع “ماشا” لتوجيه اللوم والعتاب لهم، وتغريمهم بالعمل مجدداً والإصلاح وعودة كل شيء إلى وضعه الطبيعي.

 

قيم مجتمعية

ما يعيشه أبطال العمل المسرحي “ماشا والدب” الذي كان مسك ختام أعمال فرقة “عمو سعيد” ضمن باقة من العروض بمناسبة عيد الأضحى المبارك على خشبة مسرح “الخيَّام”، ليس إلا صراعا مجتمعيا قائما بكل أطرافه، الخير والشر، الجشع والطمع، وغيرها من المواقف التي عبَّر عنها الفنان إياد حسن دكاك أثناء تجسيده شخصية “الدب” المتهور والمؤذي لمن حوله، القادر على فعل أي شيء في سبيل الحصول على منفعته الشخصية، من دون النظر للأضرار المحيطة به من ذاك الفعل، الذي بات واضحاً أيضاً فيما قدَّمه الفنان أحمد نشواتي بتجسيده دور “الأرنب” المخرب لمحصول الجزر الذي كان ملك “الفلاح” أشرف أبو سرية، وإرغامه إياه على ترتيب ما تم تخريبه من قِبله.

فيما كان الشعور بالذنب أمام ما يقوم به كلا الطرفين محط اهتمام المحرك الأساسي للعمل شخصية “ماشا” للفنانة شانتال مقبعة، التي استطاعت تقديم كل ما بوسعها لإقناع الطرفين بالعواقب السيئة لأفعالهما، وإرساء معاني المحبة والتعاون والإخاء، وعدم التستر على الخطأ، وإصلاحه بأسلوب أكثر حنكة ودقَّة، بما يعود بالنفع على الجميع.

دعوة للإصلاح

ولطالما كان للمسرح دوره التربوي والتثقيفي والتوجيهي للطفل، الذي بات أقرب لتصديقه والتأثر به بعيداً عن محيطه، كان التوجه اليوم لهذا الجمهور المعقَّد يحتاج الكثير من التفكير والاتزان والانتباه أثناء دراسة ما سيُقدَّم له، لكون الطفل أكثر ذكاءً وفطنة من غيره وقادرا على اكتشاف الأخطاء بسرعة وتوجيه ملاحظاته بشكل مباشر، برأي الفنان إياد حسن دكاك، الذي حمَّل مخرج ومدير الفرقة سعيد عطايا عبئاً كبيراً في اختيار الشخصيات والألفاظ والمعاني وصولاً للحركات أيضاً، ومن ثم موازنتها مع ما يلفت انتباه الأطفال ويجعل لديهم الفضول والحب بالمتابعة والضحك بشكل دائم.

إلا أنه ورغم كل ما تم عرضه من أعمال ضمن سلسلة عيد الأضحى المبارك، التي تميَّزت بتنوع مضامينها وأفكارها ورسائلها الموجَّهة للجمهور، كانت مسرحية “ماشا والدب” الأكثر تأثيراً في الأطفال، لمحبتهم الشديدة لها ضمن العمل الكرتوني الذي يحكي قصتها بقالب مختلف عما قُدِّم ضمن المسرحية، فتوظيف الشخصية لتقديم مادة ثقافية وفنية للطفل يفرض توجيهها بمنحى إيجابي وتحميلها رسائل مهمة وعميقة، لقدرتها على إقناع الطفل بسهولة باستخدام حركاتها وأسلوب حديثها ولباسها أيضاً برأي مخرج المسرحية ومدير فرقة” عمو سعيد” الفنان سعيد عطايا، والتي خلقت نوعاً من الغرابة لدى الجمهور بتحميلها قيم الخير والإصلاح والبعد عن اختلاق المشكلات والأحداث المريبة التي عرفت بها ضمن المسلسل الكرتوني، وهنا تكمن الصعوبة برأيه في اختيار نص يتناسب مع مسرح الطفل الذي يعد من أصعب أنواع المسارح التي قُدِّمت وتُقدم حتى اليوم.

فما يقوم به البعض من تسطيح واستهتار بعقول الأطفال والمجتمع، يعد مشكلة حقيقية أمام مخرج أي عمل للأطفال، لاعتماد العمل المسرحي على قوَّة النص بالدرجة الأولى، وما يحويه من رسائل مبطنة ومهمة يجب إرسالها بوساطة شخصية مؤثرة في الجمهور كما هي الحال لدى “ماشا”، التي انتقلت لتجسيد قيم نبيلة وخيِّرة، ليبقى النجاح برأي الفنان سعيد عطايا يكمن في خلق أفكار جديدة تتناسب مع تطور عقل الطفل وأسلوب معالجته للقضايا المحيطة به التي اعتمدها المسرح بالتفاعل معه في كل مرة يتوجه فيها إليه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار