الرئیس الأسد .. وحلب بین حقبتین !!
د.محمد سيد أحمد
لیست المرة الأولى التي یفاجئ فيها الرئیس بشار الأسد الرأي العام السوري والعربي والعالمي بزیارته المیدانیة لإحدى المناطق المشتعلة أو القریبة من الإشتعال خلال سنوات الأزمة، كأن ینزل لیتجول في الشوارع من دون حراسات، وفي بعض الأحیان تجده وعائلته یطرقون أبواب المواطنین من دون سابق إنذار ویدخلون لیقضوا معهم بعض الوقت ویجبرون خاطرهم؛ وكم هي تلك الزیارات التي رسخت في العقل الجمعي صورة ذهنية عن تواضع الرئیس الأسد والسیدة أسماء قرینته، وهؤلاء الأبناء الثلاثة حافظ وزین وكریم الذین یعیشون كأي عائلة سوریة بسیطة، فقد كنا نسمع من الأصدقاء عن الرئیس الأسد وعائلته وأنه دائماً ما كان یفاجئ رواد بعض المطاعم السوریة بأنه قد حضر كأي عائلة لتناول وجبة الغداء أو العشاء بین الناس دون أي إجراءات أو استعدادات مسبقة.
ولا یمكن أن ننسى بعد تحریر ریف دمشق مباشرة وفي عز المعركة الشرسة مع الإر*ها*ب في تلك البقعة الجغرافیة ، حین استقل الرئیس الأسد سیارته الخاصة وقام بقیادتها بنفسه من دون سائق أو حرس، وانطلق یجوب شوارع دمشق، حتى وصل إلى قلب الریف في دوما عاصمة الإر*ه*اب في ذلك الوقت، ونزل لیتجول بین أبناء شعبه في هذه المنطقة المحررة، ویتحدث إليهم ویطمئن عليهم ویطمئنهم بأن القادم أفضل بإذن الله.
وبالطبع لا یمكن نسیان جولاته المیدانیة بین أبطال الجیش العربي السوري حماة الدیار، فكثیراً ما كان یفاجئ
الرأي العام بزیارته لجبهات القتال لیطمئن على سیر المعارك، ولیشحذ همم الأبطال، وكم من مرة وجدناه یجلس على الأرض لیتناول وجبة بسیطة مع الجنود مكونة من الخبز والبطاطا، لقد أبهر الرئیس الأسد العالم بثقته في نفسه وشعبه وجیشه، وقبل كل ذلك ثقته في ربه الذي وعد المؤمنین بالنصر، ومن غیر الرئیس الأسد الذي یمتلك ذلك الإیمان بقضیة وطنه، وبالتالي امتلاك الصبر في مواجهة أعداء بلاده فحق عليه القول “وبشر الصابرین”.
وخلال عطلة عید الأضحى المبارك یفاجئ الرئیس الأسد كعادته الرأي العام حول العالم بزیارته لمدینة حلب ، وما أدراك ما مدینة حلب، فهي واحدة من أهم وأقدم المدن السوریة، وتعد العاصمة الاقتصادیة للبلاد، وقد تعرضت للتدمیر الممنهج أثناء الحرب الكونیة التي تعرضت لها الجمهوریة العربیة السوریة منذ مطلع العام 2011
وحتى الآن، حیث شهدت حلب هجوماً من قبل الجماعات التكفیریة الإر*ها*بیة المسلحة في منتصف العام 2012 استولت من خلالها على مساحات واسعة من الریف وأجزاء هامة من المدینة، بحیث خرجت هذه المناطق من تحت سیطرة الدولة، واستمر ذلك الوضع ما یزید على أربع سنوات عجاف، حین قررت الدولة الدخول في معركة تحریر حلب في نهایة العام 2016 ، حیث تمكن بواسل الجیش العربي السوري من استعادة كثیر من المناطق بالمدینة والریف إلى حضن الدولة من جدید.
ومنذ ذلك التاریخ وأبناء حلب الشهباء ینتظرون زیارة الرئیس الأسد، وطال الانتظار حتى جاءت المفاجأة السعیدة بزیارة لها ألف وألف مغزى، فها هو الرئیس الأسد وعائلته الصغیرة یحضرون الیوم لزیارة حلب والتجوال بشوارعها وزیارة معالمها والصلاة بمساجدها، والإلتقاء بشعبها البطل الصامد للشد على یديه في مرحلة من أصعب مراحل الحرب على الشعب العربي السوري مرحلة الحصار الاقتصادي الظالم، مرحلة لم تمر بأهالينا في الإقلیم الشمالي على مدار تاریخهم
الضارب في أعماق التاریخ.
وبما أن حلب لها رمزیة كبرى على المستوى الاقتصادي، فقد جاء الرئیس الأسد إليها الیوم لیفتتح عدداً من المشروعات
التنمویة، وفي مقدمتها مشروع عملاق لإعادة إطلاق محطة تل حاصل لضخ المیاه، ومحطة حلب الحراریة ، ومحطة
تولید الكهرباء، وبذلك یعلن الرئیس الأسد أن مرحلة إعادة البناء والإعمار قد بدأت بالفعل رغم أنف قوى العدوان.
وتعيد زيارة الرئيس الأسد لذهني ذكريات كتابي المعنون “حلب بين حقبتين” والذي صدرت الطبعة الأولى منه في مطلع العام 2020 عن دار
أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، وهو دراسة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مدينة حلب قبل الحرب وبعدها، فأثناء تكليفي من قبل وزارة الإعلام السورية بإجراء دراسة عن ” أوضاع السوريين في مصر وإحتمالات عودتهم ” أوضحت نتائج الدراسة أن 57.5% من عينة الدراسة قد أتوا إلى مصر من مدينة حلب السورية، وقد عبر كثيرون من أفراد العينة عن رغبتهم في العودة إلى سورية متى توافرت شروط محددة من بينها العودة إلى مدنهم وقراهم التي هاجروا منها، وأن تعود الأوضاع إلى سالف عهدها قبل إندلاع الحرب .
ولما كان صانع القرار السوري يستهدف هو الآخر عودة مواطنيه إلى بلادهم، كان من الضروري التعرف إلى ما آلت إليه الأوضاع في المدن السورية، وفي قلبها حلب الشهباء معرفة تتجاوز المعرفة الإنطباعية بما يمكن الدولة السورية من القيام بدورها ومسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها.
وبالفعل تم إنجاز الدراسة التي استغرقت ما يقرب من عام، وشارك فيها فريق عمل مصري- سوري ، وتكبد صديقي الأستاذ الدكتور أحمد بحري رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلب مشقة العمل الميداني منفرداً ومتحملاً كل التكاليف المادية المطلوبة لجمع المادة الميدانية، وقد قمنا بتقديم الدراسة لوزارتي الإعلام والخارجية لتقديمها لصانع القرار، لكي يستفاد منها في مرحلة إعادة الإعمار.
وبمناسبة زيارة الرئيس الأسد اليوم لمدينة حلب أطالب الأصدقاء بوزارتي الإعلام والخارجية بتقديم نسخة من كتاب “حلب بين حقبتين” للسيد الرئيس بشار الأسد ليعلم أن هناك من عمل بجد وإخلاص لخدمة مشروع إعادة إعمار سورية وعودة أبنائها المهاجرين ليشاركوا في عودة الحياة لمدنها المختلفة وفي القلب منها حلب الشهداء،
اللهمَّ بلغت، اللهمّ فاشهد.