سلامة عبيد وقاموسه الصيني وسباق مع الزمن 

راوية زاهر:

(سلامة عبيد) كتاب في سلسلة أعلام ومبدعون الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب.. بقلم ابنة الراحل ضحى سلامة عبيد والذي قدمتّه بأسلوب شيّق عرضت عبيد خلاله مسيرة حياة والدها الكاتب والمؤرج والمترجم سلامة عبيد.. الرجل الذي عُرف عنه سعة الثقافة والهدوء، ومساعدة أبناء بلده الطلبة في الصين في بحوثهم وحوادثهم الشخصية.. وقد أتقن الانكليزية والفرنسية.. وكذلك كان له كتاب يحمل عنوان ( ذكريات الطفولة) وفي هذا المنجز التاريخي العديد من الذكريات العتيقة والموجعة..

وكانت البداية مع ذكرى “العودة من المعركة” مصوراً عودة والده من المعركة مخضباً بدمه وقصة استشهاد أخيه في المعركة مع الفرنسين، وفي ذكراه الثانية صوّر الفزع والخوف الذي طال الناس نتيجة مطاردة الجيش الفرنسي آنذاك للمجموعات الثورية وماخلفته من نفي وتشريد.. وأخرى عن (فدعان) الطفل الذي ضاع في صحراء السعودية ومرارة النفي والتشرد..

وقد قال عنه مارون عبود في مقدمة ديوان الشاعر “لو لم يحترق سلامة عبيد في جحيم الألم ولهيبه لما خرج من رأسه ذلك الطيب.”.. وقد أُعُدّ فيلمٌ عن الشاعر بعنوان (عناد السندباد) وتم عرضه على شاشة التلفاز وفي المراكز الثقافية..

كان الراحل سلامة عبيد شاعراً ومؤرخاً وروائياً ومترجماً وضليعاً بالفنون والآثار والبيئة والمسرح وقد ألف مسرحيته الشعرية (اليرموك) وهو في الحادية والعشرين من عمره، ومُثّلت في مدينته السويداء عام ١٩٤٣م وفي القاهرة.عام ١٩٤٧م وجاء فيها:

“والآن هيا فقد حنّت جوانحنا

إلى دمشق، ونادتنا المواعيدُ

إلى دمشق التي في الحرب يطربها

وقع السلاح وفي السلم الأغاريد.”

ومن ترجماته لأدب الرحلات، ترجمته لكتاب (رحلات في جبل حوران للقس بورتر)، وكذلك اهتم بالحركة الكشفية، وكان مديراً للتربية ومديراً لنادي الفنون وبيت اليتيم وكان عضواً في مجلس الأمة أيام الوحدة بين سورية ومصر، ومن أشهر أعماله الروائية كانت

رواية (أبو صابر) الثائر المنسي مرتين، وبطلها حمد الذي انضم إلى الجيش الفرنسي ومالبث أن اكتشف ظلمهم فضرب ضابطاً فرنسياً ثم انضم إلى الثوار، وبعدها اعتقل وحكم علين بالإعدام، وخففت عقوبته إلى النفي والتشريد إلى جزيرة الشيطان ليقاسي ويكابد العذاب النفسي والجسدي..وقد نالت الرواية جائزة من وزارة الثقافة، وبدوره قدمها عبيد إلى البطل الحقيقي للرواية لإيمانه بأحقيته لها.. كذلك عُرف بميله إلى جمع الوثائقيات والمراسلات من أفواه أصحابها، وكذلك اهتمامه بالأمثال الشعبية وترجمة الصينية منها من قبيل (الكلمة إذا خرجت، مئة حصان لايرجعها).. وفي سجله الإبداعي قصص جميلة وأغنيات للأطفال..

“ياهلا بالشتا

ياهلا بالمطر

مرحباً بالشتا

مرحباً بالمطر

في الربى والمروج

راقصات الثلوج

فالسواقي رباب

والغصون الوتر.”

وقد عُرف عن سلامة أنه كان مقلاً بشعر الغزل، وكذلك عرف عنه سخريته اللاذعة والموجعة حد الإضحاك بنقده الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد.

ثم كان أن اتجه عبيد إلى الصين لتدريس اللغة العربية عام ١٩٧٢م وقد عاش فيها وحيداً بسبب طباع البلاد المنغلقة، ومن أهم إنجازاته هزاك (القاموس الصيني العربي الكبير) وهوالأول من نوعه في العالم، كما أنجز قواميس كثيرة مثل (القاموس المبوّب)، وهو قاموس صيني عربي يحتوي عشرين فصلاً خُصص كل منها لحقل معين من الكلمات، ثم قاموس الأمثال الصينية مع شرحها ومايقابلها في العربية، وقد استغرق إنجازه ل(القاموس الصيني الكبير) عشر سنوات ليبصر النور بعد مخاض عسير وأيام حبلى بالتعب والجهد والإعياء.. وقد قال ذات مرض بعد خروجه من المستشفى:”لم يبق إلا شهران لأنهيه، فإمّا أن ينهيني أو أنهيه”.. و تمنى أن يوارى الثرى في بلاده فقال في قصيدة (الله والغريب):

“ياربّ، لاتغمض جفوني هنا

هنا قلوب الناس بيضاء

وأرضهم ماء وأفياء

لكن بي شوقاً إلى أرضي

لجبل الرّيان والسّاحل

ألقي عليها نظرة الراحل.”

وقد تحقق له ذلك وتوفي بعد يوم واحد فقط من عودته إلى الوطن.. وكان للكثير من الأدباء العرب والأجانب رأيهم بهذا الإنسان المميز، فقالت الأديبة الأردنية سميحة خريس: “بدهشة عالم آثار وجد لُقية، وجدت نفسي أمام سلامة عبيد”.. وكذلك الدكتور فيصل حصيد من الجزائر: “جئنا إلى جبل العرب فوجدنا جبلين : الأول جبل العرب، والثاني سلامة عبيد”،وأيضا المستشار الثقافي في السفارة الصينية: “نحن سنظل مدينين للأستاذ سلامة عبيد”.. كما أثرت المؤلفة الكتاب بمقتطفات مميزة من أدبه وشعره فما كان منا غير ختم هذا المقال بقصيدة من عام ١٩٤٥ م تحمل نفحة ثورية وشكوى من ممارسات قائد الجيش الفرنسي الرعناء في البلاد. لتضعنا وجهاً لوجه أمام كاتب ومؤرخ وشاعر أحب بلاده وعبّر عن حبه بطرق شتى، فقال :

من دمانا، أيّها السفاح

من دمع اليتامى والأيامى

أترع الكأس مداماً

وأدرها بين أشلاء الضحايا

واستغاثات الثكالى والسبايا

وزئير المدفع الطّاغي

وأنات الشظايا

أترع الكأس، وناوله النّدامى

من دمانا أيها السفاحُ

من دمع اليتامى والأيامى.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار