رؤى إصلاحية مستقبلية للنهوض بالاقتصاد السوري في ثقافي طرطوس
ثناء عليان:
تحت عنوان “رؤى اقتصادية إصلاحية مستقبلية للاقتصاد السوري” ألقى الدكتور رامي زيدان الأستاذ المساعد في كلية إدارة المشافي بجامعة الأندلس الخاصة محاضرة في المركز الثقافي في طرطوس بيّن فيها أن الاقتصاد السوري يواجه خلال المرحلة المقبلة، إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهي مهمة بالغة الصعوبة، وخاصة في ظل وضع دولة كسورية بموقعها الجيوسياسي والتنموي مقترحاً بعض الرؤى الإصلاحية المستقبلية الواجب أخذها بعين الاعتبار خلال المرحلة القادمة وهي: أولاً- أن النمو السكاني المرتفع، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي والاستثمارات: حيث بلغ المعدل السنوي الوسطي للسكان خلال الفترة الواقعة بين 1970 وبداية العام 2013 نسبة 3.28%، وهو من المعدلات العالية جداً في العالم، وقد أدى ذلك إلى إفراز الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي عانت منها سورية، مترافقاً ذلك بهبوط في أداء الاقتصاد السوري من خلال الانخفاض الواضح في إجمالي التكوين الرأسمالي والناتج المحلي، وهذا ما أدى بمرور الزمن إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قياساً بدول أخرى .
ثانياً- البطالة: وتوجد في جميع اقتصاديات دول العالم، وهي ظاهرة طبيعية عندما تكون بمعدلات منخفضة دون الـ (4%) نتيجة عوامل وأسباب عديدة، وإذا بدأ معدل البطالة بالتزايد فوق الـ (5%) من قوة العمل، فإن ذلك يعتبر مؤشراً على تفاقم المشكلة بمرور الزمن، مشيراً إلى أن معدل البطالة في سورية، خلال السنوات المدروسة، التي سبقت الحرب العدوانية العالمية على سورية، والتي بدأت عام2011 ، بلغ ذروته عام 2002.
ثالثاً- عدم العدالة في توزع الاستثمارات وتراجع التنمية الإقليمية، وهنا يذكر الدكتور زيدان: إن (44.15%)، من سكان سورية يعيشون في ثلاث محافظات فقط) ريف دمشق 13.05%، حلب 22.7%، دمشق 8.4%)، كما أن 39.53% من مشاريع الاستثمار الخاصة في تلك المحافظات، بينما المحافظات ال /11/ المتبقية يعيش فيها باقي السكان، وتُقام عليها باقي المشاريع، وهو ما يعني أن هناك تمركزاً رأسياً في مشاريع التنمية، بدلاً من أن يكون أفقياً.
مشيراً إلى أن سوء توزع الاستثمارات الخاصة بين محافظات القطر يؤدي بمرور الزمن، إلى إفراز آثار بالغة السوء على كافة الصعد والميادين، للاقتصاد والمجتمع على حد سواء.
رابعاً- تطوير القطاع الزراعي: على الرغم من الدور القيادي للصناعة في قيادة الاقتصاديات، إلا أن الزراعة هي القاعدة، وخاصة لدولة بموقع سورية الجيوسياسي، وتأتي الزراعة في الدول النامية لتشكل قطاع اقتصادي حيوي واستراتيجي، سواء من خلال تأمين الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، أو من خلال استيعاب اليد العاملة التي لا تستطيع باقي القطاعات الاقتصادية على استيعابها، وبالتالي تساهم الزراعة في حل الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية وسورية منها.
خامساً- تحديث وتأهيل القطاع الصناعي، وايلاء الصناعات الصغيرة أهمية أكبر: حيث بيّن زيدان أن الصناعة السورية تعاني في الوقت الحالي الكثير من المعوقات والمشاكل، سواء في القطاع العام أو الخاص، وما يزيد من خطورة الوضع هو تداعيات العولمة، والانضمام المحتمل إلى منظمة التجارة العالمية، مشيراً إلى أن سورية لا تملك قطاعاً صناعياً متطوراً، ولا توجد شركات صناعية كبرى تعمل على المستوى العالمي، وعليه فإن السياسة الاقتصادية الحالية يجب أن تتمحور حول الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي تستطيع أن تنمو وتتطور بالخبرات المحلية.
ومن الرؤى التي طرحها الدكتور زيدان أيضاً إعادة إعمار رأس المال المادي والاقتصاد والبشري والاجتماعي: والإعمار لن تكون مسؤولية سورية فقط، وإنما ستشارك قوى حليفة لسورية كروسيا والصين وإيران، لأن الحرب بالأساس ليست ضد سورية فقط، وإنما ضد محور عالمي يشمل من جملة ما يشمل تلك الدول، والتجربة التاريخية تؤكد أن الشركات الكبرى قادرة على إعادة الإعمار بفترات وجيزة.
كما أكد ضرورة إعادة الهيكلية الاقتصادية وبرنامج التثبيت والإصلاح الاقتصادي، ومكافحة الهدر والفساد، وبهذا الصدد يرى العديد من الباحثين أن الفساد الإداري في سورية يعتبر واحداً من الأسباب التي أدت إلى تراجع الاستثمارات المحلية وابتعاد الاستثمارات الأجنبية رغم كل الإعفاءات والمزايا التي تمنحها قوانين الاستثمار في القطر.
ويرى هؤلاء الباحثون أن الفساد الإداري يؤثر سلباً على المناخ الاستثماري وبالتالي على النمو الاقتصادي، ويخفض من حوافز الاستثمار، وهو بمثابة ضريبة إضافية بالنسبة للمستثمرين ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الاستثمار، كما يؤدي إلى حرمان خزينة الدولة للكثير من الموارد، ويحد من قدرتها على زيادة مواردها المالية ويشجع على التهرب الضريبي.
ويمكن إيعاز ذلك الهدر والفساد لأسباب عديدة، أهمها – حسب الدكتور زيدان- المشاكل الفنية في التصميم والتنفيذ وقدم الخطوط الإنتاجية القائمة، وعدم كفاية المواد الأولية، وصغر حجم السوق الداخلية، وتسرب اليد العاملة من القطاع العام إلى الخاص بسبب ضعف الرواتب، والتخلف الإداري، غياب الإستراتيجيات التنموية الواضحة المعالم، وعدم تحديث القوانين الاقتصادية، وضعف استجابة نظام التعليم والتدريب المهني لاحتياجات سوق العمل بما يتلاءم مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي ستواجهنا خلال الفترة القادمة.