بعد رفع الرسوم تراجع في تراخيص البناء بالسويداء
طلال الكفيري:
باتت الرسوم المرتفعة المفروضة على رخص البناء ، والتي زادت أضعافاً مضاعفة ، تُشكل عقبة أمام طالبي التراخيص، من جراء عدم قدرتهم على دفعها، ما أرغم الكثيرين منهم على العودة بمعاملاتهم من حيث أتوا ، وخاصة أن الرسوم سيعقبها أتعاب نقابة المهندسين ، التي ستُحمّلهم أعباء مالية إضافية.
وللهروب من هذا ” المأزق” المالي الذي لا مفر منه لم يكن أمام الراغبين بالبناء سوى التوجه نحو سوق المخالفات البنائية.
الحراك البنائي في حالة سكون
الفورة البنائية التي شهدتها أرض المحافظة ، وخاصة مدينة السويداء، خلال السنوات الخمس الماضية، من الواضح أنها دخلت في حالةٍ من ” السبات ” هذه الأيام ، وليبقى ” الميدان” بيد مخالفي الأبنية السكنية .
عدد من متعهدي البناء قالوا لـ” تشرين” : بعد رفع الرسوم المستحقة على رخص البناء، وفقاً للتعليمات التنفيذية للقانون المالي رقم ٣٧ لعام ٢٠٢١ ، والتي أصبحت غير مقدورٍ عليها ، أصبح الإحجام عن متابعة العمل بتعهدات البناء هو الحل الأمثل لمشكلة الرسوم التي تستوفى بناءً على قيمة البيان المالي للعقار، الصادر عن مديرية مالية السويداء، والمحدد وفق سعر متر الأرض الرائج، وهو يختلف من منطقةِ إلى أخرى.
ليضيفوا: إن أقل سعر لمتر أرض في أي ضاحية من ضواحي مدينة السويداء لا يقل عن المليون و٣٠٠ ألف ليرة، وهذا يعني أن تكلفة الرسوم الواجب دفعها لرخصة بناء مساحة ١٠٠٠ متر مربع , أي طابقان، تبلغ ١٣ مليون ليرة. ناهيك عن أتعاب نقابة المهندسين البالغة ستة ملايين ليرة.
وبيّن المتعهدون أن الرسوم لم تقتصر على مساحة الأرض، فقد طالت أيضاً إشغالاتهم للأرصفة، والتي بلغت نسبتها ٤٠% من تكلفة الرخصة، والسؤال الذي يطرحه هؤلاء: هل من المعقول أن يدفع المتعهد مبلغاً مالياً كبيراً مقابل إشغاله للرصيف وليس شراءه ؟
ولفتوا إلى أن الحراك البنائي على ساحة مدينة السويداء بدأ يأخذ منحى تراجعياً، لكونه لم يعد بمقدور أي مواطنٍ الدخول في ” مغامرة” شراء عقارات جديدة سواءً سكنية أو تجارية.
الحل بالمخالفات
رغم أن الرسوم المفروضة على رخص البناء جاءت لتحقيق إيرادات مالية للوحدات الإدارية، تستطيع من خلالها تحسين الواقع الخدمي للمدن والبلدات، إلا أن الإحجام عن المضي قدماً بمعاملات الرخص فوّت على الوحدات الإدارية هذه الإيرادات ، إذ يقول رئيس دائرة المساحة بمديرية المصالح العقارية في السويداء رفيق الجباعي لـ” تشرين” : إن القانون المالي الجديد، ولاسيما المادة ١٢ منه، قد ربط رسم الترخيص بالسعر الرائج لمتر الأرض، والذي يتم تحديده وفق القيد المالي الممنوح لطالبي التراخيص، من قبل مديرية المالية، والذي تبلغ قيمته أي الرسم ١% من القيمة الرائجة، حيث تُحسب كالتالي : سعر متر الأرض المراد إقامة البناء عليها، مضروبة بمساحة البناء، مضروبة بـ١% . فمثلاً بناء مساحته ٢٠٠٠ متر مربع بمنطقة دوار تشرين، السعر الوسطي للمتر المربع يبلغ مليوناً و٤٠٠ ألف ليرة، فالرسم المستحق هو ٢٨ مليون ليرة، وهنا بات معظم الراغبين بالبناء يتركون التراخيص جانباً ويذهبون نحو مخالفات البناء، وهذا بالتأكيد سينعكس سلباً على مجالس المدن من ناحية الإيرادات المالية.
تراجع تصديق المخططات
ارتفاع رسوم رخص البناء ، وتالياً إحجام عدد ليس بالقليل من المتعهدين عن متابعة مشاريعهم البنائية ، أدى وحسب ما قال لـ” تشرين” نقيب مهندسي السويداء الدكتور المهندس حسان فهد إلى تراجع تصديق المخططات الخاصة برخص البناء بنسبة ٩٥%، ما انعكس أيضاً بشكل سلبي على إيرادات النقابة، وخاصة أن عدداً لا بأس به من المقاولين توجهوا للبناء بشكلٍ مخالف، علماً أن الأسعار المُخمّنة من قبل مديرية المالية واقعية ومنطقية مقارنةً بسعر مبيعها من قبل مالكيها، ومع ذلك تبقى الرسوم المستوفاة على رخص البناء مرتفعة، لذلك نقترح نحن كنقابة تعديل النسبة من ١% إلى واحد بالألف، فمثلاً بناء مؤلف من أربعة طوابق مساحته ٣٠٠٠ متر مربع، تبلغ تكلفة رسوم الرخصة , في حال قُدّر سعر المتر المربع الواحد بمليون و٣٠٠ ألف ليرة ، نحو ٤٠ مليون ليرة ، وهنا يفضل الراغبون بالبناء مباشرة العمل من دون الحصول على ترخيص بنائي، والشواهد كثيرة على أرض مدينة السويداء.
مضيفاً : إن رسوم الرخص زادت ١٠٠ ضعف ، ما شَكل عجزاً مادياً عند الراغبين بالترخيص لمتابعة المعاملة، وخاصة في ظل ما سيترتب عليه فيما بعد من تكاليف مالية عند البدء بالبناء ، من جراء ارتفاع أسعار مواد البناء ” حديد – إسمنت – رمل “، وكل ذلك مجتمع سيدفع المقاولين، وفي حال متابعة العمل بمشروعاتهم البنائية، ولتعويض ما تم دفعه من رسوم , إلى رفع أسعار بيع الشقق السكنية ، وخاصة بعد أن وصل سعر الشقة الواحدة مساحة ١٠٠ متر مربع إلى نحو ١٥٠ مليون ليرة ، بينما وصلت إيجارات الشقق إلى نحو ٢٠٠ ألف ليرة .
لم يتقدم أحد
المثير للاستغراب أن الوحدات الإدارية في قرى وبلدات المحافظة، وحسب ما قال رؤساء هذه الوحدات لـ” تشرين” قصي الشاعر رئيس بلدية بوسان، وطرودي بحصاص رئيس بلدية سالة، وسليم ذياب رئيس بلدية خلخلة : لم يردنا أي رخصة بناء منذ بداية العام ولتاريخه ، باستثناء بلدية خلخلة، التي تلقت رخصة واحدة فقط لا غير ، ليضيفوا : إن السبب هو ارتفاع رسوم رخص البناء , فتكلفة الرخصة لبناء مساحته ١٠٠ متر مربع , في قرية بوسان تبلغ ٢٥٠ ألف ليرة، طبعاً هذه التكلفة تختلف من قرية لأخرى ، وحسب سعر متر الأرض المدوّن على القيد المالي الممنوح لطالبي التراخيص.
فمثلاً – والكلام لرئيس بلدية خلخلة- تكلفة رخصة البناء الوحيدة الواردة إلى البلدية، والتي تبلغ مساحة البناء المراد تشييده ١٠٠ متر مربع لم تتجاوز ستة آلاف ليرة ، لكون “المالية” قدرت سعر متر الأرض بستمئة ليرة فقط ، ولكن هذا ليس مقياساً , فمن الممكن أن يقدر سعر متر الأرض داخل القرية بـ ٢٠٠٠ ليرة , عندها ستزيد رسوم الرخصة، إذاً الرسوم المستوفاة يتم تقاضيها بناء على التخمين المالي.
تسع رخصٍ
وبالعودة إلى مجلس مدينة السويداء نرى وحسب ما أشار مدير المدينة بمجلس مدينة السويداء ثائر الصالح لـ” تشرين أن الرخص التي منحها مجلس مدينة السويداء، منذ بداية العام ولتاريخه، لا تتجاوز تسع رخص ، بينما بلغت الرخص الممنوحة العام الماضي ولمثل هذه الفترة من السنة ٢٨ رخصة ، ما يدل على أن هناك تراجعاً ملحوظاً بعدد الرخص ، فمعظم الأبنية التي يتم تشييدها هي مخالفة، وهذا سيزيد من مخالفات البناء على ساحة المدينة , وخاصة أن عدد المخالفات المُسجلة في مدينة السويداء منذ بداية الأزمة ولتاريخه وصلت إلى نحو ٢٤٤٠ مخالفة، وسيفوّت على مجلس المدينة ملايين الليرات، التي لو تم استيفاؤها لتمكّن من ممارسة دوره التنموي والخدمي على ساحة المدينة.